بقدر ما أوتيت من ربيع!

نيسان اول الربيع واول الورود واللون. بداية النضج واستيقاظ الشفتين النائمتين الصائمتين عن الابتسام بسبب البرد او بسبب البعد او لان الصمت ابلغ الكلام كما يقال.
قبل الربيع ، قبل ارتفاع المطر الى امه الغيمة. قبل رحيل الغيمة الى مبيتها الصيفي يكون كل ما على الارض نيئاً. يكون بارداً او مبلولاً او شاحباً في بياض شمعي. يحتاج الى دفء صوبة كاز او غاز او ما تيسر. كذلك العواطف ، تحتاج الى دفء شمعة او حرقة دمعة.
بداية الربيع يميل اخضرار الشجر والسهل والبشر الى اصفرار ليس شاحباً. اصفرار حار موشح بخيوط دافئة. تطريز باول خيوط التلاقي بين النقيضين. الاختلاف بين اللون واللون وبين البشر والبشر ليس تناقضاً ، انه بداية الانجذاب بين الشيء ونقيضه المكمل له لا المتكل عليه.
ومن الطبيعة نتعلم ونتفهم وندرك كيف تكون السوسنة والقرنفلة والياسمينة جميلة وفيها هذا المزج البديع والالوان المتنافرة.
وكلما سخنت شمس نيسان ما حولنا وما فينا. نضجت الدنيا وخلعنا عنا حمولة ما ارتدينا وما ارتدانا من ثياب ومن هموم. نودع الاخضر الى ما حمل به في الشهور الماضية ، الى الزهور الوليدة ، الى الثمر الذي تكون و... الى بذور الخير والحب كيف تكونت او تكورت او استدارت ، كيف كبرت ووقفت أمامنا لتقول لك ها أنا الربيع ، ربيعي وربيعكم.
اذن لا تحزن على الاخضر المائي والشجري والعاطفي وهو يرحل. لا تجلس تراقبه ولا تقل انه يذبل ، وقد تقول أحياناً انه يموت عندما تكون متشائماً.
الاخضر يغيب عنك ومنك ليمتلىء. يعبؤك ولا يعبأ بحزنك الآني ، الذي تعتقده أبدي ، الاخضر لا يرحل بل يتجمل.
عندما تراه يميل درجة درجة الى نقيضه الاصفر انظر الى ما بعد الاصفر بوابة حديقة الالوان والابتسامات واقطف من عبق الورد أنفاساً ، علقها على حائط روحك. دعها تنمو فوق جدران عمرك.
عمرك هو أنت. هو ذاك الطفل الذي كان. ليس ذنبه انه ليس لك ، ليس أنت. اضطر ان يكبر ويتشوه بدم صفائه المراق بعدة طعنات ، بقصد او من دون قصد ، من قريب قد يكون امك او أباك او... أنت. من غريب قد يكون صديقك او غريمك او من شظية رصاصة اصابتك من الحروب التي حولك. تلك الحروب التي قدر لك ان تكون شاهداً على خسارتها شبراً شبراً.
بقدر ما اوتيت من طفولة ما تزال فيك كن أنت. وانْ شابها شحوب فان الشمس لم تمت. وها أنت نضجت. وها هو الربيع الذي رحل يعود ونيسان لا يتاخر عن موعده.
أنت في خير وعافيتك كاملة مهما نقصت. التعيس فقط من يأتيه نيسان.. بلا ربيع،
(الدستور)