كشف المستور

بعد ان قرأت كتاب د. جلال امين "ما الذي حدث للمصريين" ، والذي اثار جدلا في اوساط المثقفين ، اقترحت عليه عقد مؤتمر للمثقفين العرب الاحرار إن وجدوا يشبه الى حد كبير ذلك المؤتمر الذي تخيله عبدالرحمن الكواكبي في كتابه ام القرى ، بحيث يتقدم من كل اقطار عالمنا مثقفوه واكاديميوه بأوراق تحت العنوان ذاته ، لكن يتناول كل منهم ما حدث للناس في بلاده من الخليج الى المحيط ، لعل حاصل جمع هذه الاوراق يؤدي الى معرفة ما الذي جرى لنا جميعا بعد ان استطالت الدوائر واستدارت المربعات ، واصبح الشكل الوحيد السائد هو شبه المنحرف.
استطرف د. امين الفكرة ، لكنه سرعان ما تمنى لو انها تتحقق لانه يعرف جيدا ما الذي حدث لمجتمعه الذي يعيش فيه ويكدح من اجل التنوير الذي بدونه سنبقى جميعا عميان ويبقى البقر كله اسود في هذا الليل الطويل كما قال الفيلسوف هيجل.
فهل يتجرأ المثقفون العرب الذين يهربون الى التجريد والتعميم واحيانا تعويم القضايا طلبا للنجاة في افتضاح ما جرى لمجتمعاتهم خلال العقود الخمسة او الستة الماضية ، وهي بكل المقاييس عقود عجاف ، جفّ فيها الضرع وزحف الاسمنت على الزرع ، واستنسرت بغاث الطير ، ونسيت الخيول الصهيل لان اللجام بتر اللسان وملأ الفم بالدم،.
كل مثقف هو الادرى بشعاب بلاده ، ولو اقسم بشرف مهنته وواصل البوح والاعتراف لكنا في غنى عن هذه الاطنان من الورق الاصم ، والكلام المكرور الذي لا يفعل شيئا سوى تعكير صفاء الصّمت،.
ان ما جرى ليس نتيجة زلازل وبراكين او طوفان ، انه من افراز تحولات سياسية ذات جذور اجتماعية ، وما حدث لنا جميعا هو نتاج تربويات سامة ، وثقافة مشحونة بالخوف والتردد والنميمة ، اضافة الى ما تبدل من انماط الانتاج في الاقتصاد وما احدثته الهجرات من خلخلة اجتماعية ، فلا الطبقات طبقات ، ولا الاعراف بقيت على ما كانت عليه من نفوذ بحيث صار العربي المعاصر والتائه اشبه بالغراب الذي لم يفقد المشيتين فقط بل فقد صوته ايضا لانه حاول الهديل مقلدا الحمام فنسي النعيق وصمت،.
ان مؤتمرا قوميا من هذا الطراز قد لا يجد من ينفق عليه فلسا واحدا ، ولن يجد جهة تستضيفه ، لكنه لا يستثني طرفا ، بعكس المؤتمرات الاخرى التي تكرس الراهن وتورطه بمزيد من الارتهان ، لانها تكافأ على شهادات الزور وعلى قول كل شيء كي لا تقول شيئا مفهوما او محددا.. فهل يعقد مؤتمر كهذا في عرض البحر كما فعل الراحل جبرا ابراهيم جبرا في روايته السفينة لانه لم يجد شبرا واحدا على اليابسة يحتمل ما يدور فيها ومن يدري؟ قد تتطوع واشنطن او لندن وربما كوبنهاجن لاستضافة هذا المؤتمر لسبب استشراقي واحد.. هو افهام العرب بان ما جرى لهم كان بسبب خروجهم عن بيت الطاعة الكولونيالي ، ولأنهم لا يكتبون بالحرف اللاتيني او لأنهم لم يستأصلوا حتى الآن المآذن عن مساجدهم،.
لهذا نتمنى ان لا يسارع سماسرة التبعية ، ووكلاء العولمة بمعناها الوحيد الذي يفهمونه وهو الامركة الى الاستيلاء على هذه الفكرة من اجل مصادرتها.. لانه هؤلاء هم احد اسباب ما جرى لنا من المحيط الى الخليج او من الدمع الى الدم،،.
(الدستور)