لـ"عبور آمن" وسط الأزمات والتهديدات

بعد مرور أكثر من مائة يوم على تشكيل الحكومة، يُسجّل للرئيس قدرته على احتواء وتجاوز جملة كبيرة من الأزمات المتفجّرة التي واجهتها حكومته منذ اليوم الأول، واستعادة زمام المبادرة في مواجهة الأزمة المالية الخانقة التي تضمّنت قرارات "غير شعبية".
أغلب المؤشرات تشي بوضع خطير له انعكاساته الاجتماعية والسياسية الحادّة. وبالتأكيد فإنّ لكلٍّ من نائب رئيس الورزاء، رجائي المعشّر، ومصداقيته السياسية العالية، ووزير المالية المخضرم، د.محمد أبو حمور، بخبرته وسُمعتِه، دور الوزراء فعّالا في العبور الآمن لحقل الألغام إلى الآن.
على الرغم من ذلك، فقد وقعت الحكومة في مطبّات وأزمات وخيمة، ورّطها فيها بعض الوزراء لسوء إدارة الأزمة وضعف القدرة على التعامل مع الإعلام، مما أفقد الفريق الوزاري (وفقاً لاستطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية) جزءاً كبيراً من الشعبية، مبكّراً، مقارنةً بسجل الحكومات السابقة لدى الرأي العام.
الأوساط الحكومية تؤكّد أنّ الرئيس لا يرى ضرورةً للتعديل، على الرغم من تلقّيه معلومات عن دفع المزاج الشعبي العام باتجاهه، في حقائب وزارية معيّنة، ذلك وإن كان يحمّل الرئيس عبئاَ إضافياً هو في غنىً عنه، إلا أنه يدل على إدراك مغاير للرجل يتمثل بأنّ الأزمات لا تواجه بتعديلات وزارية، ولا ترتبط بأشخاص، بقدر ما تنجم عن شروط وإكراهات واقعية. أي أنّ المشكلة هي بالمؤسسات والسياسات أكثر من الأشخاص.
الآن، لم تنته التحديّات ولا التهديدات، فهنالك قانون انتخاب يجري إعداده وانتخابات نيابية مقبلة في أجواء تنتعش فيها القوى المعارضة، وتحمل مزاجاً اجتماعياً حادّاً محبطاً من الوضع الاقتصادي، سيجيّر جزء كبير منه للحركة الإسلامية النافذة في الشارع.
في الأثناء، لم يسجّل للرئيس أي اختراق سياسي في مجال الحريات العامة والانفتاح السياسي. بل تحمِلُ التقارير الدولية والأميركية الأخيرة (منظمّة هيومن رايتس ووتش، فريدوم هاوس، مراسلون بلا حدود) انتقادات حادّة للأردن، ما قد يعني مزيداً من الصعوبات في الحصول على المنح والدعم المالي الغربي.
لمواجهة المرحلة المقبلة، بعيداً عن الارتجالية والعفوية والمزاجية، فإنّ المطلوب تعزيز أدوات الحكومة في رصد الأزمات والتحديات وسيناريوهات التعامل معها مبكّراً، واحتوائها، وبناء الخطاب السياسي والإعلامي المطلوب، قبل أن تكبر وتتدحرج، كما حصل سابقاً، إذ لم تفتقد الحكومة إلى "رصد مبكّر" للمشكلات، بل حتى للقدرة على التعامل معها والتدعثر فيها إلى أن تتحول إلى أزمات كبيرة.
ذلك، يقتضي رد الاعتبار لدور مركز إدارة الأزمات، الذي حالت ظروف قاهرة، منذ تأسيسه، دون تأدية مهمته الحيوية.
اليوم، أمام الرئيس فرصة ذهبية لاستثمار المركز وتحويله إلى بنك تفكير واستبصار للمستقبل وتقديم الوصفات الوطنية المتخصصة للتعامل مع الأزمات والتحديات والتهديدات، بعد أن أظهرت الوقائع السابقة قدراً كبيراً من تخبط الحكومات المتعاقبة وفشلها في إدارة الأزمات ومواجهتها.
الوصول إلى تلك المرحلة المتقدمة من تكامل الأدوار يقتضي أيضاً رفد المركز بموارد مالية وبشرية متقدمة ومتنوعة في الاختصاصات، واستعانته بالخبرات الوطنية والخارجية المتخصصة. فالارتجالية والعشوائية سمات قاتلة في اللحظة الراهنة.
الغد