قهقهات "الأطباق الطائرة"!

... وروى أحد الكائنات الفضائية أنه أعجب بشهامة الشعب الأردني الذي وصفه بأن "مضياف"، ومضى يتغنى بالطبيعة الصحراوية، لا سيما منطقة وادي رم الساحرة التي شاهدها من الفضاء..
كان بمقدورنا أن نتابع تفاصيل الحكاية "المصطنعة" التي نشرناها الخميس الماضي عن كائنات فضائية وأطباق طائرة حطت رحالها في منطقة قريبة من الجفر، لولا أننا تجاوزنا الأول من نيسان (أبريل)، وتخطينا "مقالبه" العذبة التي هدفها إضفاء جو من البهجة، وإشاعة مقدار، ولو قليل، من الطرافة في حياتنا الملبدة بالسأم والتوتر والإحباط.
ولم يكن ما فعلته "الغد" منقطع الصلة عما تقوم به وسائل إعلام عربية وعالمية مرموقة، فقد نشرت صحف كوريا الشمالية نبأ إمكانية انسحاب فريقها الوطني من نهائيات كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا لأسباب سياسية ومالية، وهو ما جعل بعض المنتخبات العربية كالسعودية ومصر تمني النفس بالمشاركة في الحدث العالمي الكبير!
وفي بريطانيا نشرت صحيفة "الإكسبرس" خبر اختراع يسمح للمزارعين العمل في منازلهم، من خلال جهاز يوضع في كل من أذني البقرة، ويرسل إشارة تجعلها تتوجه فورًا إلى الزريبة.
ما تكشّف لنا بعد أن أعلنّا في اليوم التالي أن خبر "الأطباق الطائرة" محضُ كذبة نيسانية، يجعلنا نتأمل في الكيفيات التي تصنع مزاج الناس، وتوجه تفكيرهم، ولربما تستقر في أذهانهم كمعتقدات لا سبيل إلى محوها.
خبر الأطباق المزعومة سيطر وما يزال على أحاديث الناس، وشغلهم، إلى حد أنني والزملاء "الأشرار" في مجلس التحرير الذين اختلقوا "الكذبة" ما نزال تحت وطأة الدهشة من ردود الأفعال.
ونحن لم نكذب، بالتأكيد، وإنما رحنا نجترح مناسبة لإطلاق القهقهات الحبيسة في صدورالناس، والترويح عنهم، وتحرير مخيلاتهم من شرطها الواقعي الجاف. ولكنّ كثيرين يرون في اعتراف الصحيفة بأن ما نشر ليس أكثر من "كذبة نيسان"، بصفته تبريرا أرغمنا عليه بضغط من الحكومة! وأن الأطباق الطائرة حطت في الجفر، وأن هناك من شاهدها "بأم عينيه اللتين سيأكلهما الدود"!!
الخبر طبَقَ الآفاق، والمصدقون أضحوا أكثر من المكذبين، خصوصا بعد "كذبة ضغط الحكومة على الغد"، وصرنا لا نلتقي أحدا إلا ويحدثنا عن الأطباق الطائرة، حتى إن طبيب أسنان كاد يودي بفك أحد الزملاء وهو ماض في تعداد متانة الحبكة التي صيغ بها الخبر!
ربما يحيل الأمر، في خلاصاته، إلى الوعي الجمعي للبشر الذين تشدهم الأنباء الغريبة، حتى لو كانت تتنافى مع إحداثيات العلم وقوانينه الصارمة.
ولعل في الإصرار على التعاطي مع فكرة "الأطباق الطائرة" نزوعا نحو الأسطورة والسحر، وهو نزوع يشترك فيه العقل الإنساني، مهما كانت جنسيات المنتسبين إليه وثقافاتهم. فالذين راحوا يضعون جوارب النايلون على شاشة التلفزيون (الأبيض والأسود) كي يروا الصورة بالألوان، كانوا في السويد، وليس في جيبوتي، والعشرة آلاف شخص الذين قدموا طلبات لتركيب خط مياه إلى مطابخهم، بعد نشر خبر عن صنبور ماء يساعد على تخفيف الوزن، كانوا في إنجلترا.
بمعنى أن ثمة ثغرة ما في جدار الحداثة التي أنتجت النظرية النقدية التي أتاحت، بدورها، النظر إلى الطبيعة والتعاطي مع حركتها بناءً على الملاحظة والتفسير السببي، وإزالة السحر والتفكير الطوباوي أو الميتافيزيقي عن الرؤية التي تعاين الطبيعة، ما يعني إنتاج وتوطين قيم التفكير العقلاني.
صدق بعضنا خبر "الأطباق الطائرة"، كما صدق بعض الاستراليين أن القائد السابق للمنتخب الانجليزي بيكام سينضم الى المنتخب الاسترالي ليتولى منصب مساعد مدير الفريق ويقوده لتحقيق إنجاز في كأس العالم. ونحن والاستراليون وسائر شعوب الأرض قرأنا عزم محرك البحث العملاق "غوغل" إطلاق خدمة جديدة تتمثل في "الترجمة للحيوانات"، فضحكنا وتخيلنا كيف يمكن أن يكون ذلك، فكان الأمر مسليا، ومثيرا للتأمل والدهشة، وهذا، في نظري، جزء من رسالة الصحافة ووسائل الإعلام.
الغد