براعة جنبلاطية بالمقاييس اللبنانية

يتغنى اللبنانيون بحبهم وولائهم والتصاقهم بوطنهم أكثر من بقية شعوب الأرض ، وهو في رأيهم ليس "اخضر حلو" فقط ، وانما "ع لساني صلاة" وكذلك "لبنان يا قطعة سما" ، ومع ان اكثر من نصف اللبنانيين يعيشون في بلاد الغربة ، فإنهم يبررون ذلك بأنهم يحملون لبنان في قلوبهم أينما كانوا،..
والانسان اللبناني كما هو معروف بتميزه باتقانه لعمله وبالكفاءة المهنية والابداع والمغامرة وكسر أطواق المستحيل ، ولذلك فان بعضهم يشعر أن العالم لا يتسع لطموحه ، اما عن لبنان ، فإنه بالنسبة للاكثرية منهم هو عنوان على المغلف الخارجي الذي يلتقي الجميع على ترديده ، لكنه عمليا يأتي في نهاية المطاف ونقطة ارتكاز لحبه وولائه وانتمائه أولا لمصلحته الفردية ، وفي الداخل يتقدم الانتماء الطائفي على الانتماء الوطني وفي الخارج يتقدم الولاء لمن يدور في فلكه على الولاء للبنان ، ولذلك تصح المقولة التي ظل يرددها على مدى العقود الماضية بعض المفكرين والسياسيين اللبنانيين ، وهي "لبنان هو الوطن الثاني للسياسيين والاعلاميين اللبنانيين".
ولا نقصد في هذا المقال الاشادة أو الانتقاد ، ولكن التوقف عند خصوصية لبنان التي هي وليدة ظروف رافقت ولادته بعد مخاض من التجاذبات والتوافقات الاقليمية والدولية والتي تركت تأثيراتها على مجرى الحياة السياسية فيه ، والتي كثيرا ما تفرض على السياسيين تغيير مواقفهم وتحالفاتهم تحت وطأة الظروف.
على ضوء ذلك نفهم تغير التحالفات في لبنان ونصدق ما تقوله كل القيادات والقوى بأن كل منها يجتهد لصالح لبنان دون أن ينكر أن يحرص على تعزيز زعامته ودور طائفته.
وقد يكون السيد وليد جنبلاط أوضح مثال على تبدل المواقف ، لكنه ليس الاستثناء ، الا كونه الأقدر على قراءة خريطة المتغيرات السياسية الاقليمية والدولية ، فوليد بك ورث عن والده بعد استشهاده في العام 1977 تناقضه مع سوريا ، ثم عاد للتحالف مع سوريا في العام 1982 ، وبفضل دعم سوريا له ربح وليد جنبلاط معركة الجبل ما بين 1982 و 1984 ثم في العام 2004 انخرط مع المرحوم رفيق الحريري في مشروع الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك لاخراج سوريا من لبنان وعزلها ، وقد لقي هذا المشروع دعما ومساندة امريكية واقليمية ، وكان جنبلاط رأس الحربة في تحالف 4 آذار الى أن تغير المناخ الدولي واستعادت سوريا دورها كمكون ضروري للتوازن في المنطقة ، هذا التوازن الذي لا بد أن ينعكس على لبنان وهو ما قرأه وليد جنبلاط جيدا ، حيث تم تعويم الفرز بين 14 آذار و8 آذار بفضل جنبلاط ، وذلك لمصلحة لبنان وفق مقتضيات زعامته وتعزيز مكانة طائفته ، وهو ما يفسر حركته نحو سوريا ببراعة ونجاح وفق الخصوصية اللبنانية.
الدستور