اليوم الأخير قبل القيامة!

الحكومات المتتالية سمحت للقطاع الخاص بالتغول على الناس ، وحين تقرأ وتسمع عن رسوم معظم الجامعات الخاصة ، تعرف اننا نعيش اليوم الاخير قيل يوم القيامة ، لاننا في هرج ومرج ، ولم يعد احد يرحم الاخر.
الجامعات الخاصة ، في الاردن معظمها ، لا ترحم احدا. حين يدفع الطالب في الفصل الواحد الف دينار او اقل قليلا او اكثر قليلا ، تعرف ان التعليم بات تجارة. مجرد تجارة. الاب اليوم اذا ارسل ابنه الى جامعة خاصة ، عليه ان يعرف ان امامه مشوارا طويلا قد يصل الى عشرين الف دينار خلال اربع سنوات. هي ذات المبالغ التي قد يدفعها طالب يدرس في احدى الجامعات البريطانية ، مع حفظ الفروقات بين هنا وهناك ، على مستوى التعليم ، ونعرف طلبة يدرسون في بريطانيا ويشتغلون جزئيا ، ولا تكلفهم الدراسة ، مثل المبالغ التي يتم سحبها من افواه الاردنيين ، وعائلاتهم ، من اجل تعليم طالب ، لن يجد عملا في نهاية المطاف.
كل حكومات الدنيا تلجأ الى تحرير قطاعات احيانا. وتترك مساحات للقطاع الخاص. عندنا القصة مختلفة. حررنا كل القطاعات ، بما في ذلك الصحة والتعليم. حتى المؤمنون صحيا ، يموتون وهم ينتظرون دورا في مستشفى. التعليم تم تركه للتجار ولاصحاب المال ، بحيث من لديه اربعة ابناء عليه ان يتسول من اجل تعليمهم. هذا اذا نجح في التسول اساسا. اي تعليم نتحدث عنه ونحن نحوله لمحرقة للطالب ولاهله. أليس من حق الناس ان يتعلموا ، ثم فليذهبوا ويعملوا في اي مهنة. اين هي المكافأة الاجتماعية التي نقدمها للناس ، اذا كان التعليم يصبح انتحارا ، والعلاج يصبح بحاجة الى معجزة ، وما الذي تقدمه معظم الجامعات الخاصة اساسا للطلبة ، وحتى لاعضاء الهيئات التدريسية ، مقابل هذه المبالغ التي يتم تحصبلها ، وهي مبالغ فلكية ، بكل الاحوال ، وبحاجة الى من يقف عندها مطولا.
لا بد للحكومات ، من وقفة وعزل المصالح والتداخلات في الادوار بين الجامعات الخاصة ، ونفوذ بعض من فيها ، لتسير القرارات نحو اتجاهات محددة. القطاع الخاص ليس سماويا وليس مقدسا ، وكل ما يهمه هو جمع المال ، وعلى الجهات المسؤولة ان تتدخل لوضع حد وحدود لموضوع قيمة الرسوم الجامعية وثمن الساعات والامانات ، وكل القضايا الاخرى. الغريب اننا حين نصرخ بشأن الاسعار في السوق او الخدمات او التعليم ، يرد علينا الكل ان الحكومات لم تعد تمتلك ادوات للتدخل. الى من يشكو الناس اذن. أليست الحكومات قادرة على انتاج ادوات التدخل ، وشرعنتها ، من اجل رحمة الناس؟. اذا لم يكن لدى الحكومات مال لتقدمه للناس. فلترحمنا قليلا من تغول الجامعات الخاصة ، والمستشفيات الخاصة والمدارس الخاصة ، وكل الاطراف الاخرى ، التي تقول وتفعل ماتريد.
لو كانت قيمة الشهادة تساوي العشرين الف دينار التي يدفعها الطالب في اربع سنين ، لفهمنا الامر ، خصوصا ، ان الطالب اذا تخرج ووجد وظيفة بمائتي دينار فهو بحاجة الى عشرة اعوام ، على الاقل لاسترداد المبلغ الذي دفعه ، ونحن بهذه الطريقة نشطب عشرة اعوام من عمر كل جيل ، فوق البطالة والفقر وعدم القدرة على الزواج ، ولا نترك شيئا للناس وفقا لقيمته الحقيقية. ذات الشهادة في دمشق وبغداد والقاهرة تكلف دولارا واحدا ، فقط ، بالاضافة الى المصروف الشهري ، الا اذا ظن الجهابذة لدينا انهم سبقوا جامعات هذه العواصم وتاريخها المعروف.
الغيلان لا تعد ولا تحصى ، والضحايا لا عد لهم ولا حصر ايضا.
الدستور