سنغرس هذه الأرض بسيوف العلم والمعرفة

تم نشره الخميس 08 نيسان / أبريل 2010 04:24 صباحاً
سنغرس هذه الأرض بسيوف العلم والمعرفة
د. خالد الكركي

صاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت طلال المعظمة

دولة الرئيس الأستاذ زيد الرفاعي

أهلاً بكِ بيننا في الجامعة الأولى، وأستأذنكِ أن أمدَّ الترحيب والمودّة إلى ضيوفنا في هذا الصّباح، وأخصُّ دولة الأستاذ زيد الرفاعي بالترحيب باسمنا جميعاً، وبالشكر على حضوره الكريم الذي نُقدِّرُه ونراه استئنافاً لصلةٍ قديمةٍ رسّخها الرئيس الأول لمجلس أمناء الجامعة دولة المرحوم سمير الرفاعي وصاحب النشيد الأول عبد المنعم الرفاعي والشريك في الشعار خالد الرفاعي.

ذاك زمان، نهضت به الجامعة بفضل جهد ثُلّة كريمة من الرجال الكبار ممن أظلّهم الحسين طيّب الله ثراه بحكمته، وصدعوا لأمره بأن يكون للأردن جامعة، فكان الذي أراد، حتى جئنا إليها من تراب القرى المبارك طلبةً، وها نحن نلتمس فيها بعد عقودٍ التحوّلات ودورة الحياة كتباً نسكنُ إليها، وشجراً نألف ظلّه، وفتية يطلعون بين الكتب والشجر وقد تعلّقوا بخيوط أعلى ما في الدنيا من علم ومعرفة وتسامح وموضوعية.

صاحبة السموّ،

أستأذنُكِ أن أتجاوز عن موضوع اللقاء الذي حُدِّد في استراتيجيات مركز دراسات المرأة المقبلة، وأن أبدأ بفكرة أولى عن الجامعة وأهلها وواقع حضور المرأة فيها، فهي جامعة دستورية في الروح، لا تميِّز ولا تتحيَّز، وهذه هي الصورة بالأرقام:

- الطالبات (بكالوريوس): (21.426) مقابل (11.342) ذكور.

- الطالبات (دراسات عليا): (2640) مقابل (2303) ذكور.

- أعضاء هيئة التدريس: (390) سيدة مقابل (1041) ذكور، منهن (23) سيدة برتبة أستاذ.

- الإداريون: (1008) سيدات مقابل (2059) رجال.

لهذا نعتزُّ أنّنا كُنّا عند حُسن ظنِّ أهلنا بنا يوم قُلنا:

"صهيل الخيول على السّفح إمّا الصعود وإمّا الصعود"

نصعد كي يتحرّر شعب عظيم بالوعي والمعرفة، وكي نُعلم الآخرين أننا أهل حوار العقل والعدل، لا حوار السيِّد والعبد، وأنّنا لا نتيه في شعب بوّان، ولا نخشى ظلام الإمبراطوريات وكتابة التاريخ، ووصف الشمولية بأنها ديمقراطية.

ولنا هذا كلّه، لنا أنّنا "نُطعم الطعام على حُبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا"، وأننا من الذين "يُؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، وأنّنا من الذين "تحسبُهم أغنياء من التعفُّف"، ونحن نعرف أن "اختلاف النهار والليل يُنسي"، لكنّ لنا وطناً الشمس على حيطانه وفي بواديه وأريافه وحضره تكتب أسماء شهداء هذه الأرض بأشعتها وقد فعلنا ذلك في "الأردنية"، ونعرف كيف نقرأ في الشريف الرّضي، وكأننا في حضرة الراحل الكبير الحسين:

"فمثلك لا يُنسى ومثلي لا يَنسى"

ولا أظن يا صاحبة السموّ ويا دولة الرئيس إلاّ أننا الثلاثة من الأشدّ تذكُّراً وإحساساً بالجرح ولوعة الرحيل، لكننا من الأشد فرحاُ على تجاوز الصعاب والمضي مع عبد الله الثاني نحو آفاق المستقبل والريادة والتقدم.

صاحبة السموّ،

جرحنا غائر، لكن عقلنا غير مُغيَّب، يحاصرنا سوء الفهم وبنو العمّ، فنعود إلى دفاتر الشهداء، ونسعى إلى "كشف الغُمّة عن حال الأمة"، وتتحوّل أمّهاتُنا وهنّ يقرأن "الفرج بعد الشدة" إلى مثل زرقاء اليمامة التي ترى ما وراء الأفق والغابات والغمام، وكلّ أردنية زرقاء يمامة، وكل أردنية هي اليمامة ابنة كليب سيدة الغضب، لا تصالح على الدم حتى بدم، وكل أردنية عظيمة تلبس ثوبا من قصب يغطي دم شهيد هنا أو هناك، وكل أردنية واضحة في وطنيتها وضوح دمنا في الكرامة. فهل يحتاج دمنا، الذي بهذا الوضوح، إلى مُعجم طبقي أو رأسمالي كي نفهمه!!

نحن هنا، نحرِّكُ يقظاًن التراب ونائمه، ونسير نحو أقدام أمهاتنا كلّ مساء، ونقرأ:

سرت قصدك لا كالمشتهي بلداً

لكن، كمن يتشهى وجه مَنْ عَشِقا

نعرف أن نجاح الآخرين في تقييد اندفاعاتنا العلمية والإنسانية مطلبٌ عسير، نحن سنغرس هذه الأرض بسيوف العلم والمعرفة حتى يستجيب العدم، ونحن مثل فارس القادسية أبي محجن، سنجد سيدات يحررن الأسير من قيده كما حرّرته عربية حُرّة، فانتصر ...!

نحن هنا معاً، النساء والرجال، الشباب والشيوخ، الطلاب والعمال والجنود، نحن هنا حتى لا يقول أحد عن أخيه "أكله الذئب"، سنبقى على يقظة دائمة، لأن هذه الارض منذورة لما هو كبير دوما، وفيها أوان الاكتمال، أذرح والحميمة والجامع الحسيني الكبير الذي شهد أول بيعة لخليفة عربي مسلم وهو الحسين بن علي، حدث ذلك بعد أن غاب العرب عشرة قرون عن القيادة.

يا صاحبة السمو،

في البال كلامٌ كنتُ أودّ قوله في مناسبات سابقة لكنني تراجعت، أمّا اليوم فقد عزمتُ أمري على ذلك، لأن الكتابة حفرٌ في وعورة الليل حتى يطلّ علينا الفجر ويتنفّس الصّبح بالمدارس والأطفال والسنابل والحداء.

الكلام عن زينب ابنة الإمام علي، الطاهرة، وعقيلة بني هاشم، وأم هاشم، عن السيدة زينب شقيقة الإمام الشهيد الحُسين بن علي، حاملة أسى كربلاء وعطشها ومصارع أطفال أهلها ورجالهم، حتى سارت في ركب رأس الحسين الشقيق إلى دمشق، بعد أن علّمت عبيد الله بن زياد درساً لا يُنسى في المروءة والجرأة، وحين وصلت إلى يزيد قالت من الكلام ما ظلّ في أعلى ما في روح الثورة واللغة وجرح الحسين العظيم.

زينب التي سُمِّيت على اسم كبرى بنات سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام، هي التي تُضيء قناديلها دمشق والقاهرة، هل قلت: زينب شقيقة الحسين ....!

نعم، وما جئتُ بهذا كلّه إلا لأقول يا صاحبة السمو، هذه واحدة من الهاشميات العظيمات، وقد حملتِ مثلها جراح الزمان الصعب بين أبيكِ الغالي وأخيكِ العزيز، وعرفتِ أكثر منّا جميعاً معنى "كربلاء": العطش والشهادة والإصرار على الحق والثورة.

أقول زينب، وأعني أنت الحفيدة الهاشمية العزيزة، ألستِ مثلها: شقيقة الحسين!! ما هذا بموقف الخطيب الذي يطنب، لكننا ندافع هنا عن حق الأردنيين في العدل والحرية، والرّغيف والكتاب، صحيح أنهم مُثقلون بهجوم الفقر وعسر تحقيق الاحلام، لكنهم ينهضون، كما النخلة عمّة العرب، وكما هي العنقاء أبهى أساطير أمّتهم.

ونعرف أن من يقاطع الماضي كلّه جاهل، ومن يحمله كلّه من دون نقده فاشل، وأن من ينصب لنفسه أصنافاً من الخرافات، ومن يتعصّب لغير قيم الحق والخير، ومن يسلبه الآخر، ومن يواجه المستقبل بالخوف والتردد ... هو أيضاً مثل صاحبه خائب.

الزمان الجديد مساواة وحرية وتسامح؛ قيم رفيعة ومروءة عالية، وعقل ذكي، وانفتاح على المشهد الإنساني كي نكون شركاء في صناعته لا من الجالسين على مقاعد المتفرجين على المباراة الكبرى نحو التقدم والحياة.

هذه هي "الأردنية"، روح أكاديمية، ومكان للعقل، ومراكز للبحث، وإذاعة وفضائية وصحافة، ومنبر ثقافي، وشباب يجولون الدّنيا، واليوم، لا المكتبات مغلّقة، ولا حواجز على الدروب إلى المعرفة، شرطنا: العقل، والمنهج، والإنجاز.

لكم الشكر في مركز دراسات المرأة، والشكر لآبائنا المؤسِّسين الذين جعلوا هذا المكان، كما كان، بُستاناً للمعرفة الإنسانية، والذين صبروا يوم كانت موازنتها عام 1962 خمسين ألف دينار، ويعلو ضجيج الشكوى والجامعة والمستشفى لهما موازنتان تزيدان على مائة وخمسين مليون دينار.

صاحبة السمو

الحضور الكريم

يقين أسرة هذه الجامعة والأردنيين، أنك حملتِ قضية المرأة وعملت بدأب كبير على رفعتها، وساهمت في صناعة الأمل لأمهات وأسر لا تعد ولا تحصى، كنت ترعين الأمل وتصنعينه، ولذا يسرني في هذا أن اعلن أن مجلس العمداء قرّر تخصيص جائزة تحمل اسم صاحبة السمو الملكي الأميرة بسمة بنت طلال المعظمة لأفضل دراسة تُقدَّم في قضايا المرأة الأردنية.

*نص الكلمة التي ألقيت في ندوة "الاتجاهات الاستراتيجية لبرنامج دراسات المرأة" في الجامعة الأردنية أول من أمس

الغد


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات