نريد تلاحماً وطنياً بلا هواجس

(1)
للمشروع الصهيوني الذي يقوم على الاحتلال والاستيطان والتهجير ، متلازمة لا تقل أهمية عما سبق ، وهي العمل الصهيوني الدؤوب على تحويل وجهة ومضمون الصراع من شكله الطبيعي كصراع عربي فلسطيني من جهة ، وصهيوني من جهة اخرى ، الى ان يصبح صراعا عربيا - عربيا.
وقد نجحت اسرائيل مؤخراً في خلق صراع عميق داخل البيت الفلسطيني ، بحيث أصبحت لدينا تحت الاحتلال حكومتان فلسطينيتان بجغرافيتين منفصلتين ايضا،.
وأخال ان اسرائيل تسعى جاهدة ، الى ان تنقل الصراع من داخل الجغرافيا الفلسطينية ، الى الدول العربية المجاورة ، ولنا في العراق خير مثل ، حيث المحاصصة الطائفية والعرقية التي يبرز بها الفعل الاسرائيلي بقوة. ولا أبرئ اسرائيل من محاولات جر الشقيقة الكبرى مصر ، الى صراع ديني ، كما لم تكن اسرائيل بريئة من ذاك التناحر الدموي الطويل الذي عاشه لبنان الشقيق.
وفي ذات السياق: فانني أخشى كما يخشى الكثيرون ، من ان اسرائيل تسعى الى ايجاد صراع من هذا النوع في الاردن ، بتقسيم شعبنا الواحد المتلاحم ، وفق اصول غربية وشرقية ، وما ما طرح في الكنيست في تموز من العام الماضي باعتبار "ان فلسطين هي الاردن" الا تمرين حيوي يحمل هذه الدلالة ، بل ان مقولة "الوطن البديل" او الدور الامني الاردني في الضفة الغربية ، ما هي الا شرارات تحاول اشعال حريق من نوع خاص في الاردن،.
ومع الأسف: فاننا نرى مروجين لهذا الفكر الصهيوني التدميري ، هنا بين ظهرانينا ، تحت شعارات "حقوق منقوصة" او "محاصصة برلمانية - حكومية" او "تجنيس أبناء قطاع غزة وحملة وثائق السفر الاردنية الخاصة بالفلسطينيين" ، والتي يعبر عنها بالسموم التي تنفثها بعض مراكز البحث الممولة من الخارج ، او عبر بعض الفضائيات ، والتي إن شاهدها مراقب لا يعرف الاردن ، فانه يتصور بأن الفلسطينيين في الاردن محتجزون في معسكرات اعتقال،،.
(2)
وهنا أطرح السؤال التقليدي ، ما العمل؟.
يؤكد جلالة الملك ان "الوطن البديل" مرفوض اردنياً وفلسطينياً ، واصفاً اياه بالانتحار السياسي ، باعتباره تصفية للقضية الفلسطينية واعفاء لاسرائيل من استحقاقات السلام العادل والشامل ، بل ويرفض الملك بوضوح وقوة ، أي امكانية لدور أمني اردني في الضفة الغربية ، وغيره من المواقف الواضحة والممتلئة بالوطنية وبالحرص على ثوابت الدولة الاردنية ومنعتها وعلى الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني على ترابه الوطني.
علينا جميعاً وخصوصا القوى السياسية أن نقول للعالم ولاسرائيل ، بأن الملك عبدالله الثاني ليس وحده في هذه المواقف ، انما يعبر عن موقف وطني عام ، حيث يلتف الاردنيون من شتى اصولهم وعلى اختلاف مواقفهم الفكرية والسياسية حول الملك. وان الاردن رقم صعب وصخرة قاسية ، يصعب تكسيرها ، بل ودولة ذات لحم مُرّ ، وليست مصابة بهشاشة العظام.
(3)
ولتمتين لُحمتنا الوطنية ووقف محاولات اللعب على وتر تجزئة الاردنيين تبعاً لاصولهم ، فانني اذكر هنا ما سبق لي وان اقترحته في الاسبوعين الاخيرين ، في لقائي في جمعية الشؤون الدولية ، وفي محاضرتي في مدينة السلط ، وفي حديثي في قناة الجزيرة ، وهو ضرورة ان نتفق مع الاشقاء في السلطة الفلسطينية ، على منح الجنسية الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني ، لكل من يحمل وثائق السفر الاردنية من الاخوة الفلسطينيين - أي حملة البطاقة الخضراء والزرقاء - بحيث يمنح هؤلاء بعد ذلك ، الاقامة غير المقيدة في الدولة الاردنية ، تماماً مثل كثير من حملة الجنسيات العربية الشقيقة ، على ان يترافق ذلك بجملة من الاجراءات ، لتسهيل الحياة على اشقاء روحنا ، ومن حيث الصحة والتعليم والسكن والعمل ، وغيرها من متطلبات الحياة ، على غرار المعاملة التي تمنح للاشقاء العراقيين وغيرهم من المواطنين العرب.
إن لهذا الاجراء عدة فوائد ، فهو اولا ينهي الضغوط الداخلية والخارجية على الدولة الاردنية ، لمنح هؤلاء الجنسية الاردنية ، ويسهم ثانياً في إضعاف هواجس الوطن البديل ، ويضمن لهم ثالثا حقهم بالعودة ، باعتباره حقا تاريخيا وقانونيا غير قابل للمساومة ، وكذلك يسهل حياتهم بالاردن ، بل ويعاملون على نحو كريم ، باعتبارهم حمَلة لجنسية عربية محترمة ، لا وثائق مؤقتة ، خصوصاً وان جواز السفر الفلسطيني معترف به عربياً واسلامياً وفي الكثير من الدول الاوروبية. واعتقد بان هذا المقترح ، يصلح لان يطبق في لبنان ايضاً ، والذي من شأنه انهاء التوتر هناك ، لقاء اختلاف قواه السياسية ، على ملف الفلسطينيين المقيمين في لبنان.
(4)
وبعد: فاني بهذا المقترح ، لا اتحدث عن الاردنيين حملة الجنسية الاردنية والرقم الوطني الاردني ، بأصولهم كافة من الضفة الغربية او الشرقية ، ولا اتحدث عن حملة البطاقة الصفراء ، لأن هؤلاء اردنيون كاملو المواطنة في الحقوق والواجبات ، انما أتحدث عن اشقائنا الذين انطبق عليهم قرار فك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربية ، والاجراءات اللاحقة التي اتخذتها الحكومة الاردنية بالاتفاق مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
الدستور