الاستثمار في الحروب والدماء

تم نشره الجمعة 09 نيسان / أبريل 2010 02:25 صباحاً
الاستثمار في الحروب والدماء
د. رحيّل غرايبة
ليست العوامل السياسية المحضة هي المؤثر الوحيد واللاعب الأبرز في قرار «الحرب» على مستوى العالم، بل إنّ هناك شبكة معقدة من العوامل والأسباب أصبحت صاحبة الأثر الأبرز في قرار (شن الحرب)، كما أصبحت عمليات الإخراج والإنتاج للحروب العالمية من مهام شركات مختصة ذات نفوذ وأثر وسطوة فضلاً عن الخبرة في هذا المجال الذي تمتزج فيه السرية والخطورة والمغامرة على نحو ما ترسمه أفلام (هوليود).

الحروب محرك فاعل وقوي لمصانع أسلحة عملاقة، وشركات نقل عابرة للقارات، وتجار وقراصنة ووسطاء يملك أحدهم من الأرصدة ما لا تملكه مجموعة دول، فضلاً عن شركات الأمن والحماية التي أصبحت هي السمة البارزة لمعارك العصر وحروبه وأصبحت هي المستثمر الأكثر شهرة والأعظم ربحاً، والأبعد عن الأضواء وتحمل المسؤولية الأخلاقية على مستوى الإعلام المصنوع والموجه.

الشعوب، والقطاعات المدنيّة، والفئات الضعيفة من النساء والأطفال هي آخر ما يحسب حسابه على قائمة المخاطر التي تضعها عصابات التجار وأثرياء الحروب، بل أجزم أنها لا ترد على القائمة بالمطلق؛ لأنّ هؤلاء الضحايا هم الوقود الحقيقي للمعارك المشتعلة وهم مادة الإعلام ومضغته في صناعة الغيوم وسحب الدخان الأسود الثقيل الذي يغطي عمليات المناورة والانسحاب الآمن للأبطال الذين تحالفهم النجاة دائماً.

الحروب الكبيرة تخلف بشكل دائم ضحايا ودماء وأشلاء وهزائم وانتصارات تكون دائماً محلاً للحوار والنقاش والحديث الطويل والتحليل المستمر وإشغالاً للفضائيات وتسويداً للصحف والمجلات، إلاّ أنّ هناك في ظلال الدبابات المحترقة والبيوت المهدمة، تنشأ مستعمرات مزدهرة من المقاولين والتجار، ومافيات السلاح وغسيل الأموال وعصابات السطو على مقدرات الشعوب والدول، وتجار المخدرات وتجار الرقيق والبشر، وتجار الدعارة، وقراصنة الجو والبحار، ومحترفي القتل والاغتيال، وشلل من المحلّلين المتسولين الذين أتقنوا تجارة الكلام وفن الفذلكة وصف الكلمات وإطلاق الشعارات.

والشيء المثير للعجب والدهشة، أنّ حروب العصر أفسحت مجالاً للجبناء وساقطي الهمّة للبروز والظهور والتسلق على أكتاف الكبار في خلسة من الجماهير وغفلة منها مصحوبة بالذهول والمفاجأة، ويعود ذلك لظهور تجار الكلام وفن الخطابة الذي يتقنه عليم اللسان خاوي القلب والضمير، فيجد الفرصة في اللعب على وتر الانفعال وجهل العامة وضحالة الفكرة في ظلال الإحباط وغبار اليأس الذي تثيره الهزائم المتتالية.

ثنائية عجيبة تستحق التوقف والمراقبة، ضحايا ودماء وأبطال وشهداء من جهة، وتجار ومستثمرون وقوالون وخطباء وأثرياء حروب من جهة أخرى، فإذا كنا عاجزين عن المعالجة وإيقاف تجارة الاستثمار في الحروب والأزمات والدماء والأشلاء، فلا أقل من تحصيل قليل من الوعي الذي نعاين من خلاله الفرق بين بطل الفعل وبطل القول، وبين بطل التضحية وبطل الاستثمار وبين بطل البذل والإنفاق وبطل الجمع والثروة، وبين بطل الخفاء والستر وبطل الأضواء والإعلام.

الشعوب والأجيال القادمة مطالبة بتحصيل وعي جمعي يمكنّها من وضع حد للتجارة في دماء القتلى والجرحى، والأخذ على يد كل من يستثمر في تضحيات الأبطال على أرض المواجهة والمقاومة من أجل صناعة مجد شخصي، أو الوصول إلى مسرح الأضواء والنجومية، أو التسلل إلى مواقع القيادة والتوجيه.

سؤال يجب أن نتبادله جميعاً: لماذا لا أكون أنا من يضحي ويقاوم ويستشهد؟ وهل أستطيع أن أكون بين المضحين بدلا من أكون بين القوّالين؟ الإجابة معروفة وواضحة في حنايا كل واحد فينا (بل الإنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره).

الراي


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات