بوتين بعد بيكيت... من «مسرح اللامعقول» إلى «سياسة اللامعقول»

تم نشره الأربعاء 01st تمّوز / يوليو 2015 01:49 صباحاً
بوتين بعد بيكيت... من «مسرح اللامعقول» إلى «سياسة اللامعقول»
عريب الرنتاوي

لولا ان الفكرة صدرت رسمياً عن سيد الكرملين، ومنسوبة للرئيس فلاديمير بوتين، لقلنا إن مقترح التحالف الرباعي الذي يضم سوريا مع كل من السعودية وتركيا والأردن، ضرباً من الجنون ... لكن صاحب الفكرة وحاملها والعامل عليها، زعيم دولة عظمى، لم يشتهر بإطلاق الكلام على عواهنه، وإن كانت أفعاله على الأرض، تنم عن جرأة متفاقمة وميل ظاهر للمجازفة.

من حيث التوقيت، تبدو الفكرة واهمة وخيالية تماماً، فعلاقات السعودية وتركيا، وبدرجة أقل الأردن، مع سوريا، تبدو في ذروة التأزم، بل ولقد دخلت مرحلة «كسر العظم»، منذ التغيير القيادي الأخير في السعودية، وبالأخص بعد الانتخابات البرلمانية التركية التي تركت مستقبل السيد رجب طيب أردوغان رهناً بمغامرة عسكرية من العيار الثقيل في شمال سوريا، حيث تتواتر الأنباء عن حلف ثلاثي (مع قطر)، بغرفة عمليات مشتركة، وتنسيق على أرفع مستوى في التسليح النوعي والتدريب والتجنيد والتمويل، وحيث وثائق ويكيليكس تكشف بعض فصول «الطابق المستور»، وحيث صحف أنقرة لا تتوقف عن نشر التقارير اليومية التي تتحدث عن اجتياح تركي محتمل لشمال سوريا، لا تعيقه أو ترجئه، سوى مماطلة الجيش وتردده عن الخوض في قيعان المستنقع السوري.

أما علاقات عمان بدمشق، فهي وإن لم تدخل مرحلة تكسير العظام بعد، إلا أنها في أسوأ مراحلها منذ اندلاع الأزمة السورية قبل خمس سنوات، في ظل اتهامات سورية يومية للأردن باحتضان «الجبهة الجنوبية»، وأحاديث عن «تكبير» المملكة و»توسيعها» وتصريحات تشف عن الانتقال من «الدفاع» إلى «الردع»، وتعهدات بتسليح عشائر سوريا ودروزها، وأنباء عن «منطقة عزل» جنوبية، فضلاً عمّا يرد من أنباء عن حشود عسكرية على حدود المملكة الشمالية، إلى غير ما هناك من تقارير تشف عن مناخات حرب وليس أجواء سلام وشراكة وتحالفات.

كنّا ننتظر الأنباء من طهران، عن قيام حلف ثلاثي (إيران والعراق وسوريا) مدعوماً بحلفاء هذه الدول من منظمات وأحزاب وميليشيات، فإذا بوكالات الأنباء الروسية تبشرنا بالمسعى الروسي لبناء تحالف رباعي (سعودي-تركي-أردني-سوري)، المسعى الذي نزل بلا شك، نزول الصاعقة على الوزير وليد المعلم، وهو يصغي إلى الرئيس الروسي يشرح عناصره وأهدافه وفرصه وتحدياته، الأمر الذي دفع بالوزير المخضرم للقول بإن مشروعاً كهذا بحاجة إلى «معجزة» ليصبح ممكناً، مستدركاً بصورة تبقي الباب مفتوحاً (موارباً) بأنه سبق للرئيس بوتين، أن اجترح المعجزات في بلاده، ولا ندري إن كان قالها من باب المجاملة، أو في إشارة إلى نهوض الدور الروسي في عصر «القيصر».

موسكو تعرف، بل ربما كانت «الأعرف» بتعقيدات المسألة وصعوبتها، وربما لهذا السبب عاد لافروف لتخفيض سقف التوقعات، والحديث بما يفيد أن الانتقال من «العداوة» إلى «التحالف» لن يتم بقفزة واحدة، وأنه قد يبدأ بأشكال من التعاون والتنسيق ... سوريا لا تريد أكثر من يكف هؤلاء، بالذات قطر وتركيا والسعودية، عن التآمر عليها، وصولاً لدعم داعش من تحت الطاولة وتدعيم النصرة من فوقها... هكذا على الملأ وفوق رؤوس الأشهاد.

ما الذي يدفع موسكو، والحالة كهذه، للتفكير «خارج الصندوق»؟ ... هل طلبت الدول ذات الصلة، بالأخص السعودية وتركيا من روسيا القيام بهذا المسعى، لماذا وما الذي يدفعها لفعل ذلك؟ ... هل «قدّرت» موسكو بأن هذه الأطراف المحاطة بدورها بأطواق من الأزمات الداخلية والخارجية، ستستجيب للمسعى الروسي الجديد، هل هذا هو ما عناه الوزير سيرغي لافروف بحديثه عن «التحليل الموضوعي»؟ ... هل هي رصاصة طائشة، أرادت بها موسكو اختبار «جاهزية» الأطراف للعمل بجدية على «حل سياسي» للأزمة السورية» تحت ضغط «انفلات» شبح داعش وتغوّله، وهو الذي يضرب في قارات العالم الثلاث من دون تمييز أو تردد؟

هل هي «النقطة في منتصف الطريق» التي تحدثنا عنها بالأمس، وقبل أن نعرف عن «الأفكار الروسية الجديدة»، تجعل موسكو واثقة من أن حلفاء واشنطن في الرياض وانقرة وعمان، سيجدون أنفسهم مرغمين في نهاية المطاف، على التحرك بخطوات إلى «خط الوسط»، والقبول بتسويات طوعاً أو على مضض، بعد أن يتأكد لهم أن الدولتين العظيمتين، اقتربتا أو كادتا تقتربان من نقطة في منتصف الطريق إلى الحل السياسي؟

هل قلنا «التحليل الموضوعي»؟ ... هل لدى موسكو معلومات غير تلك التي نعرف عن حال تركيا والسعودية، بعد حرب المائة يوم العبثية في اليمن، وبعد انقلاب الصناديق على أسطورة أردوغان؟ ... هل تعب التحالف الثلاثي، بالذات ضلعاه التركي والسعودي، هل أدركا أن النيران التي يذكيانها في سوريا، تكاد لا تكتف بحرق أطراف ثيابهما بل ستطاول لحمهما الحي إن استمرت الأزمة السورية مفتوحة على التفاضل والتكامل ما بين داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام؟

في الحقيقة نحن لا نعرف، وقد لا نعرف إلا بعد مرور بعض الوقت على المبادرة / المفاجأة / المعجزة ... لكننا نعرف أن فلاديمير بوتين يعيد في السياسة ما دشّنه صموئيل بيكيت في المسرح قبل قرن من الزمان: «اللا معقول» ... ونأمل ألا يكون انتظاره من نوع «انتظارغودو» الذي لن يأتي.

(الدستور 2015-07-01 )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات