العنف الجامعي مرة أخرى: فشل نظرية التفريغ السياسي

تم نشره السبت 10 نيسان / أبريل 2010 02:13 صباحاً
العنف الجامعي مرة أخرى: فشل نظرية التفريغ السياسي
رومان حداد

استطاعت الدولة الأردنية خلال مدة قياسية، تحويل اهتمام المواطن الأردني من قضايا كبرى واستراتيجية إلى الانشغال بالهم اليومي والرغيف اليومي، وبات الكلام عن الحالة المعيشية وتأمين الطرق الفضلى للحصول على رغيف الخبز هو محور الدولة نحو الشعب. هذا المنهج الذي تبنته الدولة أحدث إزاحات نوعية في تركيبة المواطن الأردني وتركيبة المجتمع، والوسائل التي يعترف بها هذا المجتمع للتعامل والتنفيس عن الضغوط التي يتعرض لها يومياً.

جريمة القتل التي حدثت في جامعة البلقاء وذهب ضحيتها شاب في مقتبل العمر بسبب خلاف على أمور بسيطة، أظهرت حقائق بصورتها الجلية، صار لزاماً على الدولة التوقف عندها والتعامل بصورة جدية مع الخطر الذي تمثله، والبحث الحقيقي عن الأسباب التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن.

أن تتحول جامعاتنا إلى ساحات للموت بالمجان، كبديل عن أن تكون أماكن يتعلم أولادنا فيها، ويختبروا بحثهم عن الحياة الفضلى عبر انتمائهم للأحزاب السياسية، نتيجة لا نرضى بها، فحين أجفلت الدولة من الحراك السياسي في الجامعات، ولم تستطع بكل عقلها السياسي والأمني التعامل مع الجامعة كمختبر سياسي للأحزاب والأفكار، سقطت الدولة في خيارها البديل، حين اقترحت تفريغ هذا المحيط الطالبي والشبابي من أية أفكار كبرى، فالحياة لا ترضى بالفراغ، وكل فراغ لابد من ملئه، فامتلأ الفراغ بالنزعات الجهوية والإقليمية، ولأن كل نزوع بشري يخلق أدوات دفاعه التي تشبهه، فإن التصارع السياسي في الجامعات كان يستعمل الكلمة والحجة بين الأطراف المتنازعة التي كانت غالباً ما تجد طريقها إلى حلول وسط، في حين أن النزاعات الجهوية أو الإقليمية كانت تستعين بمخزونها الثقافي القائم على القوة والفرض والكثرة، ففتحت كوة العنف وتسرب الموت،من دون سبب، إلى حرم جامعاتنا.

ما حدث هو فعل منهجي مدروس للتخلص من أزمات كانت موجودة وفشلت الدولة في التعامل معها، ولكنه لم يكن مدروساً من جهة نتائجه المتتالية التي نراها اليوم في جامعاتنا ومجتمعنا من أشكال العنف المتكرر، فمن ابتدع فكرة الحل "التفريغي" للشباب، أي تفريغ الحياة اليومية للشاب الأردني من أية قضايا كبرى وإلهاؤه في اليومي البسيط، لم يكن عبقرياً كما ظن حينها، بل هو مشعوذ انقلب عليه السحر، ففقد قدرته على التحكم بالمارد الغاضب الذي انفلت من عقاله.

المجتمع الأردني مجتمع بدأ يفقد ثقته بالدولة كمؤسسات ومنظومات، فأصابه عدم الشعور بالأمان والاستقرار، وصار ينتظر بعقله الباطني الجمعي حدوث مصائب في أية لحظة، مدركاً عدم وجود ملاذ آمن له. في ظل هذا القلق الذي أخذ يستبد في الجسم المجتمعي، وفي ظل غياب أية مجموعات وأفكار كبرى، ارتد الأردنيون إلى المكونات الأولى والتجمعات الأولى، فأعيد تقسيم المجتمع الأردني إلى وحداته البدائية، وساعدت الدولة على تعزيز هذه التقسيمات من خلال تعميقها عبر إفرازات سياسية وانتخابية تؤكد الجهوية والعشائرية بصورتها الأقوى تأثيراً والأضعف مضموناً.

على الدولة أن تحذر من مجتمع أعادت تصنيعه في مختبراتها، فقد بدأت تظهر على هذا المجتمع آثار تحولات جينية مسخية، فهذا المجتمع الذي خرج وتظاهر ضد اتفاقية وادي عربة من دون دم، والذي تظاهر ضد رفع سعر الخبز من دون دم، لم يعد يخرج إلى الشارع ليعبر عن رأيه، ولكن يمكن لأي سائق لم يعطه الآخر أولوية المرور أن يوقف سيارته في منتصف الشارع، وينزل وبيده عصاه، ويبدأ معركته مع الطرف الآخر، أو يمكن لأب غاضب أن يرفع مسدسه ويقتل أطفاله وزوجته، ومن ثم ينعم بخمس دقائق هدوء وهو يمج سيجارته، ويمكن لشاب غاضب أو يائس، لا فرق، أن يصعد على سطح أي عمارة ويقرر أن ينهي حياته باستعراض أخير، ويمكن لشاب جامعي أن يتسلح بمسدس أو "شبرية" وربما كلاشنكوف قبل دخوله بوابة الجامعة، كي يكون جاهزاً لحل أية مشكلة "كبرى" تواجهه، من خلاف على مقعد خشبي إلى خلاف حول فتاة لا يعرفها، صرنا مجتمعاً مدججاً بالعنف، نقتل انتظارنا لرغيف الخبز عبر قتل بعضنا بعضاً.

الغد


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات