الجامعات الاردنية .. نهاية مأساوية لقصة نجاح

بعد ان تحولت الى مؤسسات تفرخ قتلة وتصدر التعصب والكراهية
لا نجد وسيلة نعبر فيها عن امتناننا الكبير من الحكومات المتعاقبة واجهزتها ورؤساء الجامعات ومن قبلهم وزراء التعليم العالي على ما أتحفونا به من انجازات مذهلة في مسيرة التعليم العالي خاصة في العقد الاخير. فالجامعات بفضل سياساتهم الحكيمة لم تعد مجرد ساحات للعنف فحسب انما معاهد تفرخ القتلة وتصدر ثقافة الكراهية, وتخرّج افواجا من المتعصبين والمحبطين.
بموازاة مشروع الليبراليين الجدد لتفكيك المؤسسات والحط من هيبة الدولة, كانت قوى اخرى تعمل على تخريب افضل ما كان يفخر به الاردنيون; جامعاتهم ومؤسساتهم التربوية.
بدأ التخريب في الجامعات مع مرحلة التحول الديمقراطي اوائل عقد التسعينيات من القرن المنصرم.
فالحكومات التي كان عليها التأسيس لمرحلة التعددية الديمقراطية انقضت على الجامعات والحركات الطلابية فيها وتولت بنفسها اشاعة ثقافة اقليمية وجهوية لدحر الثقافة الوطنية والديمقراطية ونجحت في تجفيف منابعها وقطع نسلها.
وفي العقد الاول من الالفية الجديدة صارت الجامعات في قبضة »الاجهزة« بالكامل فهي الآمر الناهي في شؤونها; تنصب الرؤساء وتعزلهم, ترفع الاساتذة وتطردهم وتنوب عن الطلبة في اختيار ممثليهم.
لقد كان عقداً اسود في تاريخ الجامعات الاردنية صمتت الحكومات عليه وتواطأت معه لا بل تحولت الى ادوات تطيع الاوامر وتنفذها, من دون نقاش.
اليوم لم يعد بوسع احد ان يسيطر على ما رد العنف وقد افلت من عقاله وصارت له ديناميكية مستقلة وقاعدة فكرية عمادها الولاء العشائري والجهوي والاقليمي يستدعي كل مستوى منها حسب ما تقتضي طبيعة الصراع وهوية »العدو«. وحين فكر بعضهم في الاصلاح لم يجد غير الاسلوب الفوقي نفسه الذي انتهى الى ما يشبه المليشيا.
المليشيات الطائفية في لبنان او في العراق لم تبدأ بالسلاح ولم تستمر به وحده بدأت بمشروع فكري طائفي كان السلاح فيه لاحقا وسيلة للدفاع عن المشروع الطائفي والظلامي. وكانت الجامعات في لبنان تحديداً المسرح الذي شهد ولادة مجرمي الحرب الاهلية وزعاماتها.
ماذا تنتج الجامعات الاردنية اليوم غير العنف والكراهية والتعصب?!
ذكّروني بآخر اختراع سجلته جامعة اردنية او بمساهمة منتجة في قضية وطنية او ببحث علمي مرموق.
صحيح ان في الجامعات الاردنية طاقات اكاديمية ممتازة لكنها تعيش مرعوبة منقوصة الحقوق. فبينما كانت مئات الملايين من اموال الدولة تضيع على الفساد والبذخ كانت الحكومات تقضم موازنة الجامعات وتدفعها للافلاس بحجة الاعتماد على الذات. وتزج الى ساحاتها عشرات الآلاف من الطلبة غير المؤهلين للدراسة في الجامعات وتحرمهم من حق المعرفة وتفرض عليهم الخضوع مبكرا للولاءات الجهوية والمناطقية والاقليمية.
ومنذ ان انهار التعليم العالي ومعه الحياة الجامعية تراجعت الحياة السياسية والحزبية في البلاد, وانهارت الثقة بالطبقة السياسية, والناس محقون في موقفهم السلبي من النخب خاصة الرسمية.
دُلّوني على سياسي في الدولة يملك من الاحترام والحضور ما يؤهله لاحتواء خلاف الاخوة في السلط وجوارها?!0
العرب اليوم