التربية والتعليم .. أوَّلاً

طالبٌ جامعيٌّ يقتل زميلَه بالمديةِ في الحرمِ الجامعيِّ.. معلِّمٌ يفقأُ عينَ تلميذِه.. طالبان مراهقان يعتديان بالضَّرب على معلِّم ثانويّ..أستاذان جامعيَّان يَضربان عميدَ كليةٍ جامعية..!!! المسلسلُ غير الممتع لمعاركِ الطلبة الجسدية في الجامعات..! ما الذي يحدث تماماً؟ وما تفسير هذا المشهد السوريالي الذي ازدحمت به حياتُنا اليومَ؟
كتب الكُتّاب والكاتبات، وما يزالون حول ظاهرةِ العنف في المدارس والجامعات، وحول التعليم وتدهوره، ومع ذلك فلم نسمع أنَّ المسؤولَ الحكوميَّ الأعلى قد تحرَّك باتجاهِ حلٍّ جذريٍّ للمسائل. ولربمّا أن الأمر يستدعي (أكثر) من عينٍ مفقوءةٍ وجثةٍ لشابٍ!! و(أكثر) من (هوشة) تطحنُ في طريقِها الأخضرَ واليابسَ!! لربما أن الأمر يحتاجُ إلى أن تُضطرَّ الجامعاتُ أن تُغلَقَ (وقد حصل)، والمدارس أن تخرِّجَ أميين وأميّاتٍ (وهذا ما يحصل)!!!
بالكادِ يفكُّ الخطَّ عددٌ لا يُستهانُ به من طلبة المدارس، وبالكادِ يفكُّ الفكرةَ معظمُ طلبةِ الجامعات. وبالإضافة إلى العيِّ الأكاديميِّ الذي يأتي دائماً مصاحباً للعيّ القيميِّ، تزدهرُ أمراضُ ما قبلَ الدولة التي تدور حول معاني الانتفاخِ بالعشيرة، وازدراءِ القانون، وأمراضُ انحطاطِ الأمم كالاستهانةِ بشرفِ العلمِ ومعناه وأهله، وتسخير قليلِ ما حصَّلنا من ديمقراطيَّةٍ لكثير ما لدينا من استبدادٍ. فالحلُّ لا يكونُ البتَّةَ في تشديدِ الأمن، ولا في إنزالِ أشدِّ العقوبات!! الحلُّ لا يكونُ إلا جذرياً حيثُ يتتبَّعُ أهلُ النظرِ أصلَ البلوى في رصدِ التساهلُ والتهاونِ والاهتراءِ في مهنة التعليمِ ذاتها، وفي تأهيلِ أهلها ممن رماهم انسدادُ الفرصِ إليها، وقلة احترام المجتمعِ لهم/هن – الذي هم طرفٌ فيه -، وفي رصدِ المناهجِ وأساليب التدريس وما آلت إليه من شكليةٍ وجمودٍ واحتقارٍ للتفكير الحرِّ، وتوحيده على صورةٍ ومثالٍ، ومصادرةٍ للاختلافِ والإبداعِ....
فجميعُ أهل النظر والعلم والإصلاح لا يختلفون حول أنَّ إصلاحَ التربية والتعليم مصيرٌ لا بدَّ منه لحلِّ مشكلةِ هبوطنا الحادِّ هذا في هذه المستنقعات التي تتهدَّدُ وجودَنا كأمَّةٍ، لربَّما قبل أن تلفظَ أنفاسها الأخيرة على سرير العناية الفائقة المفقودة!! وما الجامعاتُ إلا آخرَ حلقةٍ تزدحمُ فيها وتتلخَّصُ كلُّ ما ضخَّتهُ التربيةُ والتربيةُ الموازية في عروق النشء ومدرسيهم من دمٍ فاسد. ولربَّما أنَّ من مسيس الحكمة، وعظيمِ الرجاء أن يكون لأهل الخبرة والتجربةِ والرأي السديد والفكر الحرِّ مساهمةٌ فعليةٌ في بناء تصوُّرٍ علاجي لحالة اليأس والظلامِ التي نصطدمُ بها كلما أردنا – بقليلِ ما بقي لدينا من همةٍ – أن نذهبَ إلى المستقبل.