هل نملك، حقّاً، خيار "المواجهة"؟

ما يصدم، بعنف، أنّ الأمر العسكري الإسرائيلي (بطرد من أسماهم بـ"المقيمين غير الشرعيين" أو "المتسللين" من الضفّة الغربية)، وفقاً لصحيفة هآرتس، قد صدر منذ قرابة ستة أشهر، وهنالك تسريبات، بأنّه قد تمّ إبلاغه للطرف الفلسطيني، فلماذا، إذن، انتظرت السلطة إلى حين البدء به والكشف عنه من الصحافة الإسرائيلية، وكيف افتقد مطبخ القرار (هنا) معلومات عن مثل هذا القرار الخطر إلى الآن؟!
أخشى أنّ كل الصدى الحالي هنا والخطابات الوطنية التي نسمعها، لا تستند إلى قراءة دقيقة لنص القرار الأصلي، وأنّها مبنية فقط على الانطباعات الإعلامية المتولّدة من تسريبه!
المطلوب (الآن) مناقشة تداعيات القرار بصورة دقيقة وعميقة، وتحديد خياراتنا الواقعية، بعيداً عن عقلية الفزعات والتهويش الفارغ، بلا مضامين حقيقية.
وفقاً لقراءة أوّلية، فإنّ القرار يمسّ الأمن الوطني بدرجة رئيسة، وبخاصة لمن يحملون البطاقات الخضراء بالضفة الغربية، ممن يحق لهم قانونياً الإقامة في الأردن، وكذلك الذين عادوا إلى هناك قبل سنوات، (وفقاً لاتفاقية أوسلو) ولم تمنحهم إسرائيل أوراقاً قانونية كاملة.
في ضوء هذه القراءة، يصبح قرار العبور إلى الأردن والهروب من شبح العقوبات الإسرائيلية القاسية ملجأً وحيداً لهؤلاء الفلسطينيين. وسيجد "مطبخ القرار" (في عمّان) نفسه أمام خيارات محرجة وحسّاسة تتداخل فيها الأبعاد القانونية بالأمنية- السياسية والإنسانية. ومن المتوقع أن يتعرّض الأردن لضغوطات شديدة في حال نفّذ سيناريو "إغلاق الجسر"، (الذي طُرح سابقاً من قبل مؤسسة سيادية) ورفض السماح بتسرّب آلاف الأشقاء الفلسطينيين.
تلويح الأردن بتجميد اتفاقية السلام والعلاقات مع إسرائيل هو خيار مشروع، لكنّه يفرض تساؤلات جادّة وحيوية، فيما إذا كان المسار الحالي والرهانات الاستراتيجية و"الشركاء" العرب (الغائبون) سيخدمون الموقف الأردني أم يُضعفونه؟ وفيما إذا كانت الجبهةُ الداخليةُ صلبةً ومؤهلةً لمواجهة لحظة تاريخية مفصلية، أم لا؟
إذا اتفقنا على قاعدة أنّ "المكتوب معروفٌ من عنوانه"، سنكون أمام مقاربتين؛ فإما أنّنا لا نملك خياراً حقيقياً لمواجهة المخطط الإسرائيلي، والمسألة تبدو فقط "قضية وقت" ومشاغبة بائسة، تكتفي بالتنديد والرفض، من دون امتلاك شروط لبدائل موازية لإسرائيل. وإمّا أن يدرك "مطبخ القرار" أنّنا أمام لحظة مفصلية تاريخية تتطلب إعادة تدوير الاستراتيجية الأردنية بنيوياً، واجتراح سياسات استثنائية تتجاوز الخيارات التقليدية لمواجهة التحوّل التراجيدي في الموقف الإسرائيلي من الأردن، وذلك، بدوره، يحتاج إلى مقاربات مختلفة تماماً، داخلياً وخارجياً، من الواضح أنّها "غير مفكّر فيها" لدى "جماعتنا" إلى الآن!