المسؤولية الأدبية بين استقالة مظهر السعيد و"تقرير التوجيهي"

مظهر السعيد، هو ابن النادي الفيصلي، وأحد أبرز أعمدة تفوقه تاريخياً، قاده لسنوات طويلة محققاً معه إنجازات كبيرة. استعانت به إدارة النادي بعد أن تراجع مستوى الفريق مؤخّراً، واستطاع أن يحمل الاسم إلى المقدّمة مرّة أخرى، على الرغم من المرض والإعياء والسن.
الرجل قدّم استقالته بعد المباراة الأخيرة مع نادي الوحدات، التي خسرها الفيصلي، فتراجعت حظوظه بالحصول على بطولة دوري كرة القدم.
بعيداً عن أسباب أخرى، ومتداخلة، أدّت إلى استقالة السعيد، فإنّه بعد المباراة، وعلى الرغم من سمعته ورصيده وإنجازاته، قدّم استقالته، وتحمّل مسؤولية أدبية وأخلاقية، ونأى بنفسه أن يكون جزءاً أو سبباً من أسباب الإخفاق أو التراجع أو الأزمة الداخلية في النادي.
ذلك موقف يُحترم ويُذكر له ويُقدّر عليه، فقد دخل إلى النادي وخرج منه، وهو يحظى باحترام وتقدير شديد من كل منصف ومتابع للكرة الأردنية.
حقّاً، للأقدار أسرار وللصدف حِكَم، قد لا تُعجب الحكومة هنا، لكنّها تنطق بمفارقات ودلالات يجدر التوقف عندها، ولو قليلاً!
فمن سوء طالع الحكومة أن تزامنت استقالة السعيد وموقفه المحترم والمعتبر مع تقرير اللجنة الحكومية المعنية بكشف مسؤولية المتسبب بالأخطاء التي رافقت الإعلان عن نتائج التوجيهي!
تقرير اللجنة الوزارية، التي يرأسها وزير العدل، خلص إلى تحميل مسؤولية تلك الكارثة إلى موظف فني في وزارة التربية والتعليم، مسؤول عن الجزء المرتبط بالنتائج الإلكترونية. وتجنّب التقرير تحميل أيّ مسؤول من الوزن الثقيل أي جزء، ولو بسيط، من تلك الكارثة، ما يضعف من قيمة التقرير سياسياً.
ذلك، لا ينفي أنّ التقرير تميّز بالدقة في رصد ما حدث، بصورة مهنية محترفة، وأشار إلى مواضع قصور وخلل كبيرة في العمل الإداري نفسه، وفي التنسيق بين الأقسام المختلفة، بخاصة بعد اكتشاف الخطأ في النُسخ الالكترونية، وكشف بوضوح عن غياب المبادرة والمرونة في التعامل مع الأزمات، وكان ذلك يمكن أن يوفر مدخلاً مختلفاً للنتائج النهائية.
في مثل هذه الحالة، فإنّ اللجنة قامت بعملها المهني، لكنّها أبقت سؤال المسؤولية الأدبية والأخلاقية معلّقاً بقرار رئيس الحكومة نفسه، فيما إذا كان سيكرّس سُنة تحميل صغار الموظفين مسؤولية الأخطاء الكبرى، أم أنّ الوزير هو المسؤول الأول المعني بتحمّل مسؤولية تتجاوز المنطق الإداري والمهني إلى السياسي والأخلاقي؟!
الحكومة لم تميّز بين الجانب الفني والأدبي والسياسي، فاكتفت بإلقاء التقرير اللوم على موظف معيّن.
بالعودة إلى كارثة التوجيهي، فإنّ أخطاء وزير التربية تتجاوز سؤال النتائج ومدى صحتها إلى تخبّطه في التعاطي مع الأزمة، وإطلاقه تصريحات وتبنيه مواقف استفزّت الرأي العام وعزّزت من حالة الغضب والخيبة، ما انعكس على الحكومة نفسها في استطلاع الرأي، الذي أعدّه مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، بمناسبة مرور مائة يوم على تشكيل الحكومة.
ثمة مسؤولية أدبية وأخلاقية وسياسية أهمّ بكثير وأكثر دلالة من السياق المهني الفني، فبلا شك لم يكن أحد يعتقد أنّ الوزير يقوم بنفسه بإدخال البيانات والعلامات إلى أجهزة الحاسوب أو نسخها عبر أقراص مدمجة.
لكن قيمة التقرير أنّه نفى وجود عمل مخطط ومدبّر فيما حدث.