المــلا مـحـمــد عـمـــر

تم نشره الأحد 02nd آب / أغسطس 2015 12:23 صباحاً
المــلا مـحـمــد عـمـــر
ياسر الزعاترة

للحديث عن الملا محمد عمر سياق سياسي، وآخر تاريخي وإنساني، وفي الحالتين نحن أمام قدر من الإثارة التي تستحق التوقف. فأن تحافظ حركة دينية وسياسية ومقاومة في الآن نفسه على خبر موت زعيمها لمدة عامين اثنين، فإن ذلك يعني أن لديها قدرا من القوة والتماسك الذي يستحق الإعجاب، بصرف النظر عن الرأي في قرار عدم الإعلان. نقول ذلك رغم أن الحركة لم تعترف بذلك، وقالت إنه توفي قبل أسبوعين. في الظاهر كان الملا عمر أشبه بالإمام الغائب إذا جاز التعبير، والذي يحضر في الجانب المعنوي أكثر من الواقع العملي، لكن الواقع لم يكن كذلك، فقد كان الرجل يدير الحركة بشكل فعلي، وهو الذي حافظ على تماسكها طوال الوقت، كما حافظ وهو الأهم، على بوصلتها الواضحة في التعاطي مع الاحتلال، ومن هنا تتبدى أهمية المرحلة التي ستعيشها من بعده، لاسيما والاحتلال الأمريكي يوشك أن يحمل عصاه ويرحل تاركا زعيما بشتونيا منتخبا (أشرف غني)، من ذات العرقية التي ينتمي إليها الملا عمر، وغالبية أعضاء حركة طالبان، مع عروض بالحوار يدعمها الأمريكان مع الحكومة الجديدة، وإن لم يقدموا للحركة حتى الآن عرضا يستحق النقاش بشكل جدي، إذا لا يتجاوز الأمر حد الانخراط في العملية السياسية كما لو أن الحكم قد استقر وما على الحركة سوى التعامل بروحية المهزوم بدل المنتصر، وهي لم تكن مهزومة في واقع الحال، ويمكنها أن تواصل القتال وإفشال العملية السياسية لزمن طويل، بل يمكنها في حال رحيل الاحتلال بالكامل أن تسيطر فعلا على مناطق واسعة من أفغانستان؛ هي تلك التي يعيش فيها البشتون، خلافا لمناطق الشمال التي يندر فيها حضور الحركة، وبالطبع لأن الجانب العرقي يحضر بقوة في الصراع الأفغاني، ربما على نحو يتفوق على الجانب الديني، لا سيما أن أطراف النزاع في أفغانستان لا تكاد تختلف كثير لجهة التزامها بالهوية الدينية للبلاد.

أيا يكن الأمر، فغياب الملا محمد عمر سيمثل مأزقا لا بأس به للحركة التي سيصعب عليها توفير شخص يلتف الناس من حوله، بنفس مستوى الملا عمر، بما في ذلك القائد الجديد (ملا أختر منصور)، ولا يُستبعد تبعا لذلك أن تحدث انقسامات بشأن التعاطي مع المرحلة الجديدة، وما إذا كان على الحركة أن تواصل القتال من أجل وضع أفضل لها في مشروع المستقبل، أم أن عليها أن تقبل بالمتاح في عملية سياسية صيغت برعاية أمريكية، ما يعني أنها ستكون هامشا على متن لم تشارك في صياغته، فيما سيذهب آخرون إلى فكرة استمرار القتال، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم البلاد، وحصول الحركة على حكم مناطق البشتون في الجنوب. من الصعب الحديث بروحية الجزم عن أسئلة المستقبل فيما خصّ الحركة وما سيحدث لها في ظل القائد الجديد، وفي ظل الظروف الجديدة برمتها، ذلك أن حجم التناقضات في البلد لا تزال كبيرة، ومن العسير الحديث عن حسم سياسي سريع، لا سيما أن الاحتلال لم يرحل تماما بعد.

في السياق التاريخي والإنساني، يمكن القول إننا أمام شخصية فريدة في عالم السياسة، وهو عالم مسكون بالشهرة والأضواء والخطابات والمصالح، لكن الرجل الذي نحن بصدده كان يفضل شيئا غير ذلك، وبقي معروفا فقط لقطاع محدود من الناس في قيادة الحركة، وهو كان مبدأيا إلى درجة استثنائية لا تعرفها عوالم السياسة، وموقفه الرافض لتسليم أسامة بن لادن بعد هجمات أيلول خير دليل، حيث باع السلطة برمتها من أجل هذا الموقف المبدأي، ولعل هذا البعد في شخصيته هو الذي سحر أسامة بن لادن، وجعله وهو السلفي يبايع “حنفيا ماتريديا” دون أن يتردد في ذلك.

سيقول البعض إن الملا عمر لم يضحي بشيء، فهو كان يحكم أطلال دولة ما لبثت أن انهارت خلال أسبوعين أمام ضربات التحالف الأمريكي، وهو قول سخيف في واقع الحال، فالرجل كان يسيطر على دولة حقيقية، وبمساحة شاسعة وموقع استراتيجي، وإمكانات معتبرة، ولو شاء أن يجمع المليارات من خلال رعاية زراعة المخدرات وحدها لفعل، فيما حاربها حتى كان أن يوقفها رغم ما يعنيه ذلك من حرب مع باروناتها الكبار ذوي القوة والنفوذ. جاء الملا عمر على حاجة من الأفغان بعد احتراب المجاهدين بعد رحيل الغزاة، وتمكن من توفير الكثير من الأمن للناس، ورغم نمط التشدد الفقهي الذي اختاره، إلا أنه كان جزءا من اختيارات غالبية المجتمع، وكان يمكن أن يخضع للتطور الطبيعي في المجتمعات لو استمر في السلطة. يستحق نموذج الملا عمر المزيد من التوقف، وربما في سطور أطول، لا سيما أنه كما قلنا حالة فريدة. عاش غريبا ومات غريبا. جاهد وفق قناعاته، وبقي عابدا، زاهدا في الدنيا حتى رحل إلى جوار ربه. أما الأسئلة التالية، فهو ليس مسؤولا عنها، لا سيما أن من حوله رجال جيدون أيضا، ويمكنهم أن يواصلوا المسيرة، لكن الأمر لن يكون سهلا في ظل تحديات كثيرة، من بينها تحدي الخارج، وتحدي الواقع الأفغاني بالغ التعقيد، وربما تحدي تنظيم الدولة الإسلامية أيضا. 

(الدستور 2015-08-02)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات