الرابحون مع الفيل والحمار!!

ما ان يصدر تصريح عن الادارة الامريكية يزعج اسرائيل حتى يسارع الساسة والجنرالات في البيت الابيض والبنتاغون الى الاعتذار بمختلف الاساليب ، وهناك عبارة امريكية جاهزة ومعلبة وعلى الارجح فقدت صلاحيتها منذ زمن ، هي: على الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ان يواصلا العمل من أجل تحقيق السلام. وهذه العبارة تهدف الى تعويم القضايا وتحميل المعتدى عليه نفس العبء الذي يجب ان يحمله المعتدون.
وما صرحت به وزيرة الخارجية السيدة كلنتون بالامس هو صيغة اخرى لموقف متكرر ، وكأن المسألة هي في اعادة انتاج التصريحات كي تبدو عديمة المعنى وبلا مضمون ، فهي تحذر العرب من سحب مبادرة السلام التي قيل عنها بأنها لن تبقى طويلاً فوق الطاولة لكنها بقيت ، وكأنما ألصقت بالصمغ رغم ان لدى العرب الكثير من المبررات لاعادة النظر فيها على الأقل.
ان منطق توزيع المسؤوليات بالتساوي على الجلاد والضحية يتيح للجلاد ان يعثر على غطاء سياسي لكل ما يقترفه ، وهذا هو الخلل الجذري في التعامل الامريكي مع الصراع العربي الاسرائيلي في مختلف المراحل وعبر الادارات المتعاقبة.
لقد تفاءل بعض العرب بتغيرات نوعية في موقف الادارة الامريكية من اسرائيل خصوصاً بعد ان استخفت حكومة نتنياهو بالرئيس اوباما واعلنت خلال حضور نائبه بايدن قرارها في مواصلة الاستيطان بعد ان قبلت على مضض وكمن يتجرع السم تجميده لبعض الوقت،.
وثمة من تصوروا ان المبالغات الامريكية في توصيف العلاقة او التوأمة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب هي بمثابة مقدمات او تمهيد لاتخاذ مواقف حاسمة ضد حكومة نتنياهو ، لان مثل هذه المبالغات تضمن للرئيس اوباما وطاقمه احتياطيا كبيرا لدى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لكن العواصف غالبا ما تهب بعكس ما يشتهيه اصحاب الزوارق الصغيرة ، وما يسمى لحس التصريحات على الطريقة الامريكية أصبح الآن مألوفا بسبب تكراره ، فلا عتاب ولا عقاب ، وكل ما في الأمر هو ان تَرضًية العرب ليست باهظة التكاليف بالنسبة للادارة الامريكية ، اذ تكفي كلمة هنا او اشارة هناك لاسالة لعاب العرب مجدداً على الحل وفقا لوصفة سحرية من واشنطن،.
ولا يعادل تعويم القضايا في هذا السياق غير تمييعها ، وخلط حابل المستوطن بنابل المواطن ، فبالرغم من صدور قرار اسرائيلي بابعاد عشرات الالوف من الفلسطينيين لاسباب ملفقة وغير منطقية ، فان هذا الترانسفير الذي قد تعقبه ترانسفيرات اخرى أوسع منه لم يثر لدى الولايات المتحدة ما يستحقه من شجب او تحفظ يدفع العرب الى ابقاء مبادرتهم فوق الطاولة ، ويبدو ان الطاولة بما عليها وبمن حولها اصبحت معرضة للقلب رأساً على عقب ، فاسرائيل اشاحت بوجهها عن العالم كله ، ووضعت في اذنيها الكثير من الطين والعجين بحيث لم يعد هناك من يسمع الطنين غير العرب الذي يبرهنون في كل مناسبة على انه لا حول لهم ولا قوة ، وانهم بانتظار الحل دائما من الولايات المتحدة ، ناسين او متجاهلين بأن القاضي هو الغريم ، وان اللدغ الف مرة من الجحر ذاته لا يشكك بالايمان ، فقط بل يحول الملدوغين الى ضحايا تستمرئ المزيد من اللدغ والسم،.
القلم والممحاة المربوطة بطرفه هما سر هذه المراوحة بل المراوغة في موقف واشنطن ، سواء كانت ديمقراطية او جمهورية ، فيلاً او حماراً،،.
الدستور