مشاوير خليل قنديل

بلغة رشيقة لماحة ذكية، قائمة على عنصر التشويق، مبنية على عمق البساطة وعفوية التعبير وبلاغة الصورة، مثل عهده دائما، كتب الزميل خليل قنديل أمس مقالته في صحيفة الدستور، بعنوان تلك الرائحة، شدني وأثار فضولي وريبتي العنوان، الذي يشي بفضاء قصصي قنديلي فائق التميز، يثير إعجابي وغيرتي في العادة؛ كوني أدرك ككاتبة مبتلاة بهاجس القص، مدى صعوبة الظفر بقصة ممسوكة مكتملة البناء، وأعرف جيدا مقدار البهجة التي تحدثها في النفس، لحظة القبض على قصة طازجة، انبثقت في لحظة مباغتة. وتخوفت من أن خليلا، وهو الأستاذ المتمكن من صنعته في فن القصة، هذا الفن الصعب العصي على التفسير، قد سرب من وراء ظهري وبذريعة زاويته اليومية قصة جديدة، مستمدا أجواءها من تلك اللقطات الصباحية، التي يقتنصها بحرفية، حين يهبط إلى شوارع البلد سيرا على الأقدام، متجولا في الأسواق الشعبية، (متحركشا) بنبض الناس، حاملا على عاتقه التعبير عن أوجاع البسطاء وهمومهم ومعاناتهم، ملتقطا الأفكار المرمية على الطرقات، مشتغلا عليها بحساسية فائقة، محولا إياها إلى مشاهد قصصية متقنة، وهو الحريص دوما على تقديم أفكاره البسيطة المدهشة المحرضة على التأمل، ما يجعل المرور اليومي على زاويته الدستورية، اقتراحا صباحيا جميلا. غير أن مقالته لم تكن قصة جديدة، تبعث على الغيظ وتثير الأحقاد السردية، مما أثلج صدري وطمأن قلبي، انطلاقا من استحقاقات "عداوة الكار" الدارجة جدا في الأوساط الأدبية!
كتب خليل وبمناسبة قدوم الصيف، قصة بالغة القدم عن ظاهرة يومية شديدة الإزعاج، تتمثل في إهمال الكثيرين متطلبات النظافة الشخصية، ما يجعل التواجد في الأماكن العامة المزدحمة من دوائر حكومية ومستشفيات ومقاهٍ وأسواق خضرة تجربة مزعجة تسبب توترا كبيرا، وقد تؤدي إلى الاختناق وضيق النفس، جراء الروائح الكريهة المنبثقة من الأجساد المهملة، كذلك فإن استخدام وسائل النقل العامة من سيارات التاكسي وباصات مؤسسة النقل، فإنها تدخل في نطاق التجارب المريرة، التي ينبغي إضافتها إلى قائمة المخاطر المرورية، كما وصف خليل واقعها بتفصيل دقيق. من هنا تبرز الحاجة ماسة وملحة لغاية تنظيم حملات توعية مكثفة تبدأ من البيوت والمدارس ومواقع الدراسة والعمل، حول أهمية النظافة الشخصية في حياتنا، وأثرها الكبير على الصحة.
قد يذهب البعض إلى أن الظروف المادية الصعبة تحول دون إمكانية تحقق ترف النظافة والأناقة. وبرأيي هذا طرح غير دقيق؛ لأن شرط النظافة كمظهر صحي، ينم عن ثقافة وحضارة ليست حكرا على طبقة اجتماعية دون غيرها، وهو ليس مطلبا ترفيهيا بل حق للفرد على نفسه، فالفقر ليس نقيضا للنظافة، والنظافة الشخصية هي من أهم ملامح حضارة أي مجتمع، والمظهر اللائق ممكن الحدوث حتى لذوي الدخل المحدود، ليس بالضرورة أن يرتدي المرء أفخر الماركات العالمية ليبدو مقبولا، بل يمكن تحقق ذلك بأبسط الإمكانات. أتمنى أن نصل إلى حالة حضارية، يكون الاستحمام فيها سلوكا يوميا عاديا، وليس طقسا احتفاليا يستدعي عبارات التهنئة. وأن تحافظ شوارع عمان على سمعتها، كواحدة من أنظف مدن العالم. وشكرا لخليل قنديل القاص والكاتب الصحافي البارع، على قرعه لهذا الجرس!