كيف ستنشر بالونات جوجل "لوون" الإنترنت اللاسلكي إليك من فوق السحاب؟

المدينة نيوز:- ما يقرب من نصف سكان العالم حتى اليوم لا يستطيعون الدخول إلى الإنترنت مثلك، مشروعات عديدة تحركت للعمل على إيصال الإنترنت لتلك الأجزاء من العالم، منها شركة فيسبوك بمشروع توصيل الإنترنت من خلال طرق مختلفة -بالليزر، أو عن طريق القمر الصناعي- والتي ما زالت تحت التجارب، وشركة SpaceX التي ستستخدم مركباتها الفضائية لبث الإنترنت إلى الأرض، وopen internet الذي يعيد توجيه إشارات إنترنت من الأقمار الصناعية من خلال طبق هوائي يمكن لأي أحد امتلاكه واستخدام الإنترنت مجاناً. أما مشروع جوجل "Loon" فقد جاء بفكرة مختلفة ربما تكون مبتكرة وهي بالفعل غير مكلفة ولا تحتاج لوقت زمني طويل لتنفيذها مثل المشاريع الأخرى.
فكرة مشروع جوجل لوون عبارة عن بالونات (تشبه بالونات السياحة التي تطوف فوق المزارع والمناطق الجبلية) تحلق في السماء لمسافات بحيث تعمل كأجهزة توجيه إشارة الـ3G والـ4G التي تبثها بالأساس أبراج شركات المحمول، وتعيد توزيعها في المناطق المنعزلة والتي لا تتمتع ببنية تحتية للاتصالات (في الجزر على سبيل المثال) عن طريق تقنية الواي فاي Wi-Fi. بهذه الطريقة سيتمكن المزارعون في المناطق النائية من الوصول إلى بيانات الطقس ومعلومات عن الآفات الزراعية مثلاً، وسيكون الأطفال في المناطق الريفية قادرين على مواصلة تعليمهم عبر الإنترنت، وتتوقع جوجل أن ينضم أربعة مليارات مستخدم آخر للاستعانة بمحرك البحث الخاص بها. كذلك التواصل مع الناس في المناطق التي يحدث بها كوارث بيئية أو أزمات من أي نوع، سيكون أسرع وأسهل حتى يخفف عنهم وطأة المشكلة؛ لكن كيف تقوم هذه البالونات بتوصيل الإنترنت للأفراد؟... هذا ما سنغطيه في هذا الموضوع.
في البداية، من المهم أن تعرف أن أول تجربة اختبار أجريت على بالونات "لوون" كانت في منتصف عام 2013 في جزيرة جنوب نيوزلندا، وأخرى في شمال البرازيل وثالثة في ولاية كاليفورنيا، وستكون أول بداية حقيقية لإطلاقه في القريب ستغطي جزيرة سيرلانكا التي تقع أسفل الهند بقارة آسيا، حيث إنها مدينة صغيرة لا يتجاوز سكانها 8 ملايين نسمة، منها 2.8 مليون شخص فقط يستخدم إنترنت عبر الجوال، فهي هدف جيد تبدأ به جوجل، مع العلم أن البداية ستكون مجاناً.
كيف تعمل بالونات لوون؟ البالونات عبارة عن مُغلَّف مصنوع من أكياس بلاستيك البولي إيثيلين السميكة (3 ملم)، بطول اثني عشر مترا، وعرض 15 مترا عند قطر الدائرة، وبنيت لتتحمل درجة -117 ° F، ويمكنه أن يبقى مُحلقاً في الجو لمدة 100 يوم أو أكثر (تعادل حوالي ثلاث لفات حول أنحاء العالم) بدون تدخُّل للصيانة، وتسير لمسافة 20 كم بحد أقصى، بسرعة 100 ميل في الساعة، وهذه السرعة تمثل مشكلة إلى حد ما، بحيث المطلوب إيجاد نقاط بث ثابتة تغطي المنازل أو نقاط مستقرة أيضاً، لذلك العديد من البالونات تطير معاً لتعمل بمثابة شبكة تغطية لمدينة ما بشكل جيد.
تطفو بالونات لوون في طبقة "الستراتوسفير" التي تقع على حافة الفضاء، أي على بعد مسافة ضعف التي تطير فيها الطائرات والتي نشعر فيها بالطقس، ما بين 10 كم و60 كم في الارتفاع (ما يساوي 60000 قدم فوق الأرض). في طبقة الستراتوسفير، هناك العديد من طبقات من الرياح، وكل طبقة من الرياح تختلف في اتجاهها وسرعتها، ولكن يمكن التنبؤ بها وباتجاهاتها؛ فالبالونات بإمكانها أن تذهب إلى طبقة معينة من الرياح بالارتفاع لأعلى أو الانزلاق إلى أسفل حسب درجة هبوب الرياح في كل طبقة والاتجاه المرغوب فيه من السفر. تقدم الستراتوسفير تحديات هندسية فريدة، حيث إن ضغط الهواء يشكل 1٪ عند مستوى سطح البحر، ويقدم هذا الجو الرقيق حماية أقل من الأشعة فوق البنفسجية، وتقلبا هائلا في درجات الحرارة، التي يمكن أن تنخفض لتصل إلى -80 درجة مئوية. ولكن غلاف البالون مصمم بطريقة تتحمل هذه الظروف.
هناك جزء من التدخُّل يحدث عن طريق المهندسين المتواجدين على الأرض حيث يقومون بتحويل اتجاه البالون خلال الطبقات سواء إلى الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب. حيث إن البالون نفسه يحمل صندوقاً إلكترونياً يحمل كمبيوتراً وجهاز تحليل جغرافي لأغراض الملاحة، وباستخدام خوارزميات استنادا إلى حالة الغلاف الجوي وبيانات التنبؤ بحركة الرياح، التي تصلهم من البالون. يقومون بتوجيه البالون في التيار اللازم عند الحاجة. فمثلاً، لخفض البالون... فإنهم يقومون بضخ الهواء، والذي هو أكثر بسبع مرات كثافة من الهيليوم. لرفعه... يقومون بالإفراج عن بعض الهواء.
البالون يحمل معه "صندوق الإلكترونيات" الذي يحوي جهازا خلويا مع خوارزميات الملاحة، نظام التحكم في الارتفاع والهبوط، بطارية، وعددا قليل من أجهزة الراديو والهوائيات لاستقبال ونقل إشارات بيانات الجوال والإنترنت LTE لا سلكياً. البيانات والطيف الخلوي يتم بثه بالأساس من خلال أبراج الاتصالات التابع لشركات الاتصالات، والتي قامت شركة جوجل بإبرام اتفاق معها للحصول على هذه البيانات وإرسالها. بحيث يتمكن الناس في الأماكن البعيدة عن نطاق الأبراج من الاتصال بشبكة الإنترنت عن طريق البالونات بمجرد الدخول من جوالاتهم الذكية أو الأجهزة الأخرى التي تدعم شبكة LTE (البيانات الخلوية سريعة الانتقال). حيث تقوم البالونات بدور أجهزة إرسال أو توجيه Routers.
يمكن لكل بالون توفير الاتصال إلى مساحة من الأرض تبلغ قطرها حوالي 40 كم. كل بالون يتواصل مع عشرات أخرى لتشكيل شبكة عالمية متصلة معاً حتى أثناء الحركة، لضمان تغطية منطقة بالكامل على نحو جيد. يمكن التحميل من شبكة إنترنت "لوون" بسرعة تبدأ من 5 ميجابت وتصل إلى 10 ميجابت megabits في الثانية - وهو يعادل متوسط السرعة المحلية في الولايات المتحدة - لأجهزة 4G.
في البداية، أي قبل فكرة البالونات الطائرة، كانت جوجل تخطط لبناء شبكة من الهوائيات الأرضية مثلها مثل شركات الاتصالات إلا أنها تخلت عن هذه الفكرة. بعد اختبار خدمة الواي فاي من خلال البالونات وجدت أن هذا المشروع أقل كلفة اقتصادياً وأكثر استمرارية وأنسب للأماكن النائية، حيث يمكن للناس في معظم المناطق النائية الوصول إلى البريد الإلكتروني والإنترنت على الهاتف الخلوي دون حتى وجود أبراج تغطية للإنترنت!
الجزء السفلي من بالون "لوون" يحمل ألواحا من الصفائح البلاستيكية المرنة المدعومة بهيكل خارجي من الألومنيوم خفيف الوزن، هذه الألواح –لجانب البطارية في صندوق الإلكترونيات- الهدف منها طبعاً هو شحن البالون بالطاقة الشمسية، وكل لوح في هذه المجموعة الشمسية يميل بزاوية حادة لأعلي ليلتقط أشعة الشمس بشكل فعال في أيام الشتاء القصيرة، خاصة في مناطق خطوط العرض العليا، يقبع كل لوحين في اتجاهين متعاكسين حتى يسمح بالتقاط الطاقة من أي اتجاه، كما أن البالونات تدور ببطء في مهب الريح. لوحات الطاقة تنتج ما يقرب من 100 واط عند توافر الشمس بشكل كامل، وهو ما يكفي للحفاظ على استمرار حركة الإلكترونيات أثناء شحن البطارية لاستخدامها في الليل. كذلك البالون قادر على تزويد نفسه بطاقة الرياح إذا لم تعمل الألواح الشمسية لأي سبب كان.
سيواصل مشروع لوون العمل على توسعة نطاق التغطية في الأعوام القادمة، لتشكيل حلقة من التواصل على مدار خطوط العرض في نصف الكرة الجنوبي دون انقطاع. العاملون على المشروع الآن يهدفون للدفع بـ 100 بالون في طبقة الستراتوسفير بنهاية العام 2015 وتغطية حوالي 12.5 ميل في سماء المنطقة. الأسئلة التي لا تزال تحوم حول هذا المشروع وربما نجد إجابتها في القريب: هل ستكون العوائد من بالونات لوون مربحة بالنسبة لجوجل؟ وهل يجب على البلدان أن يثقوا في جوجل ويتركوا لها مجالهم الجوي في الستراتوسفير؟