المسخّن والكنافة في مواجهة الاستيطان والتهويد!!

وسط حضور جماهيري في قرية عارورة شمال غربي مدينة رام الله احتفل الفلسطينيون بإعداد أكبر طبق (مسخّن) بقطر أربعة أمتار. وهو أكبر طبق مسخن في العالم (هل يعرف المسخن في أماكن أخرى؟،)
وبحسب "الشيف" الذي أشرف على الطبق ، فقد تطلب الإعداد 500 كيلو غرام بصل 500و دجاجة 170و لترا من زيت الزيتون 70و كيلو غراما من اللوز البلدي 50و كيلوغراما من السماق وكيلو غرام من حب الهال وآخر من عيدان القرفة وثمانية كيلوات من الملح 250و كيلو غراما من الطحين ليبلغ وزن الطبق 1350 كيلو غراما.
وكما كان الحال في احتفال أكبر سدر كنافة الذي دخل موسوعة "جينيس" ، فقد تم احتفال المسخّن برعاية رئيس الوزراء سلام فياض الذي اعتبر المناسبة نوعا من الاحتفال بالتراث والثقافة والأصالة ، وتأكيدا على ارتباط الفلسطينيين بهذه الأرض ، وحقهم في الحياة فيها (كم مساحة الأرض التي يتحدث عنها وما هي نسبتها من مساحة فلسطين التاريخية؟،).
لا نعرف بالطبع ما هي الإنجازات التالية التي سندخل من خلالها موسوعة "جينيس" ، والتي تعد لها حكومة تصريف الأعمال في رام الله؟ قد تكون أكبر سدر مفتول أو منسف (كما ذهب الأكاديمي الفلسطيني المعروف عبد الستار قاسم) ، وقد نقترح هنا أكبر طنجرة ملوخية ، وتاليا أكبر رغيف طابون ، إلى آخر مسلسل المعالم التراثية في الساحة الفلسطينية. ولا ننسى أكبر قرص فلافل تبعا للنزاع القائم بيننا وبين اليهود على حق الملكية لهذا الاختراع.
وحتى لا يتنطع البعض فيتهمنا بأننا ضد الفرح ، وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يعيش ويلهو ، فإننا نؤكد أننا لسنا ضد الفرح ، ولولا الأفراح اليومية هناك لما تزوج الناس وأنجبوا وخرجت الأجيال الجديدة الأكثر تمسكا بأرضها ومقاومة للاحتلال من الأجيال السابقة.
لكن سيد الاحتفال لم يقل إن ما جرى كان ممارسة للفرح ، بل تعبيرا عن التمسك بالأرض وحق الحياة فيها ، الأمر الذي لا يمكن أن يتأتى بأطباق المسخّن وسدور الكنافة ، بل بالمقاومة التي تحرر الأرض من دنس الغزاة كي تغدو حرة كريمة ومعها أهلها ، ولا شك أن سياسة وضع العربة أمام الحصان ، أي البحث عن الدولة قبل تحرير الأرض لم تكن مقنعة ، لاسيما أننا إزاء مشروع صهيوني قائم على الاستيطان والتهجير وليس الاستعمار كما هو حال تجارب أخرى معروفة.
والحق أن ما يجري في الضفة من احتفالات كالتي نحن بصددها إنما هو جزء لا يتجزأ من مساعي إعادة تشكيل الوعي الفلسطيني برمته ، تلك المساعي التي تتم بتوافق بين جهات عديدة ، فيما يتصدر لعبة تنفيذها كل من الجنرال دايتون على الصعيد الأمني ، وتوني بلير على الصعيد الاقتصادي ، فيما تقوم حكومة سلام فياض بدور العراب الذي يشرف عليها ويمنحها الشرعية.
على مرمى مئات من الأمتار ، وربما أقل أو أكثر من مكان الاحتفال بطبق المسخن ، هناك مئات من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني وأروع مناضليه يرزحون في سجون السلطة لأنهم متهمون بالتفكير في دعم برنامج المقاومة ، فضلا عن انتمائهم لتنظيم سياسي منافس ، أما لو ذهبنا أبعد قليلا ، فسنعثر على ثمانية آلاف فلسطيني في السجون الصهيونية يخوضون منذ أسابيع نضالا صعبا من أجل تحسين شروط حياتهم ، وهؤلاء لم يحظوا بكثير اهتمام من السيد رئيس الوزراء ، وكان أولى أن يكون الاحتفال خاصا بهم ، وليس بطبق المسخّن.
إنها عملية مبرمجة لإعادة تشكيل الوعي ، يراد من خلالها للفلسطيني أن يقبل بصيغة العيش في ظل الاحتلال ، وإن بإدارة فلسطينية ، وفي ظل شيء له ملامح الدولة ، وأن ينسى برنامج المقاومة برمته ، لأن العنف لا يجدي نفعا بحسب تنظير السيد رئيس الوزراء .
هكذا إذن ، فبينما ننشغل نحن بأطباق المسخّن ، يواصل عدونا مسيرة الاستيطان والتهويد وسرقة الأرض التي يجسد طبق المسخن حقنا فيها وتمسكنا بها ، فأي نضال هذا الذي يمارسه القوم ، وهل يعبر عن ضمير الشعب الفلسطيني؟ نقول بالفم الملآن ، كلا ، ولو سأل مراسل الوكالة التي نقلت خبر احتفال طبق المسخن الناسَ في القرى والمدن والمخيمات عن رأيهم لسمع كلاما مختلفا ، لكنه لم يسأل ، ولو سأل فلن يجرؤ على نشر الإجابات.
الدستور