في ذكرى تفجير أوكلاهوما: الإرهاب دفاعا عن الحرية

"قد يكونون أبرياء بشكل فردي، ولكنهم جزء من امبراطورية الشر". هذا منطق تيموثي ماكفيه منفذ تفجير أوكلاهوما، في حواره مع شريكه قبل التفجير. ولا يختلف عن منطق من نفذ آخر تفجير في بغداد، أو كويتا، أو موسكو أو..
من بين ضحايا التفجير في أوكلاهوما 19 طفلا كانوا في روضة أطفال داخل المبنى الفيدرالي، وبلغ مجموع الضحايا 168 شخصا، إضافة إلى ما يزيد على 500 جريح. لم يكن ماكفيه يمينيا متدينا وهو غير مؤمن، وعندما سئل قبل إعدامه عن احتمالية ذهابه إلى الجحيم، قال إن ذهب فسيجد فيها كثيرين. لكنه قام بالتفجير ردا على استهداف الحكومة لطائفة مسيحية "ما فعلته كان أمراً ضرورياً للدفاع عن حرية المواطن الأميركي، وفي الوقت نفسه انتقاماً للكارثة التي تسببت بها السلطات الفيدرالية".
"لقد توصلت إلى قرار باتخاذ وضع الهجوم للحد من سوء استغلال الحكومة للسلطة، إذ فشل الآخرون في وقف القوة المتغطرسة التي تعربد بلا حدود". فجر الشاحنة المفخخة للثأر من حصار الحكومة للمزرعة التي كان يحتمي بها أعضاء طائفة ديفيد كوروش في واكو بتكساس، والتي انتهت بمقتل أكثر من 80 شخصا من أتباع الطائفة. لم يشعر بالندم على ما قام به، وقال في رسالة خطية بعث بها إلى صحيفة الأوبزيرفر البريطانية إنه قرر مخاطبة الحكومة الأميركية بلهجتها عندما أقدم على تفجير المبنى.
لم يتلق ماكفيه تعليما في مدارس طالبان، ولم يعايش الصراع العربي الإسرائيلي، ولم يعان في بلد فقير ولا غيرذلك من الأسباب الحقيقية ولا المتوهمة للإرهاب. نشأ في بلد غني وتلقى تعليما جيدا، وكان متفوقا في دراسته، وخدم في الجيش الأميركي وشارك في حرب الخليج الثانية، وهو ما يعني أن اعتناق فكر إرهابي وممارسته مسألة أكثر تعقيدا من العظات التي تلقى علينا. فإذا كانت الحكومة الأميركية الخاضعة لسلطات الكونغرس والقضاء والصحافة والتي يتم تداولها كل أربع سنوات "تعربد بلا حدود"، فماذا عن الحكومات الشرق أوسطية؟ أنهم يخاطبونها بـ"لهجتها" على رأي ماكفيه. مع ملاحظة فارق شاسع بين ما يجري في منطقتنا وما جرى في ربيع عام 95 في أميركا. فقد كان ذلك حدثا معزولا ولم يتكرر على أيدي أميركيين، عندنا لا يتوقف شلال الدم في الشوارع، سواء على يد الحكومات أم على يد خصومها.
في النفس البشرية نزوع نحو الطغيان وسفك الدماء، وفي القرآن الكريم قالت الملائكة عن خلق الإنسان "قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك"، وحتى لا ينساق الإنسان إلى تلك الغريزة الوحشية، يحتاج إلى كثير من القيم والأخلاق التي تأتي بالتربية، بقدر ما يحتاج إلى القوانين والأنظمة التي تطبق بالإكراه. ولا تختلف الدول والجماعات عن الأفراد.
لقد شاهد ماكفيه في حرب الخليج الثانية التي شارك فيها، كيف تجد الحكومة تفسيرا للإرهاب الذي تمارسه، لم يكن أطفال ملجأ العامرية أقل براءة من أطفال حضانة أوكلاهوما، وهي في تلك الحرب أرادت وضع حد لعربدة النظام العراقي، وهو بحربه أراد وضع حد لعربدة حكومته.