دولة اللّيغو !!

الصّفات التي اقترنت بالدولة الفلسطينية الموعودة تصلح وحدها مفتاحا لقراءة حقبة سياسية من تاريخ العالم والعرب ، فهي دولة قابلة للحياة حسب التعبير البوشي الشهير ، وكأن هناك دولا تولد غير قابلة للنمو والحياة ، وهي ايضا دولة ذات حدود مؤقتة كما يقترحها نتنياهو ، وكأن الدول نوع من المعلبات السياسية ذات الصلاحية المحدودة ، بحيث تتمدد او تنحسر ، وتقبل ان تكون امبراطورية بقدر ما تقبل ان تكون بحجم قرية او مستوطنة ، ويبدو ان مجرد ذكر اسم الدولة في اي سياق ذي علاقة بفلسطين يصيب اسرائيل بالقشعريرة ، فهي تريد احتكار مفهوم الدولة تماما كما احتكرت من قبل مفهوم المنظمة السرية او الحركة ، وتريد احتكار دور الجلاد مثلما احتكرت دور الضحية ولعبت بمهارة فائقة لأكثر من ستين عاما.
ما تريده اسرائيل هو دولة من الليغو او مكعبات البلاستيك ، وفي احسن الاحوال دمية مطاطية على شكل دويلة قد يسمح لها بنشيد وعلم وحرس وبساط احمر ، لكن لا يسمح لها بأي شيء له صلة بالسيادة او بأدنى مفاهيم الدولة كما عرفها التاريخ منذ اثينا حتى اسبارطة الحديثة.
وحكاية المؤقت والدائم في الادبيات الصهيونية طويلة بل هي الثنائية الاثيرة في ايديولوجيات طردت التاريخ لصالح الاسطورة.
ان هذا الاستخفاف بالعالم كله وبالعرب ومنهم الفلسطينيون يفتضح ذهنية صهيونية توقفت عن النمو عند العام 1948 ، فما كان يعرف التاريخ وحسب تعريف كل المعاجم السياسية جريمة ابادة تحول الى حرب استقلال وما كان ولا يزال عدوانا مستمرا يسمى استحقاقات قانونية ، ويتطلب الحفاظ على هذه الاستحقاقات الوهمية حماية دائمة من واشنطن وضواحيها الاوروبية.
ان اقانيم ومقومات ومكونات الدولة الفلسطينية وفق ادق تعريف للدولة منذ ارسطو حتى هيجل ، قائمة وماثلة ولا تحتاج الى وسائل ايضاح ، فكل طلل في فلسطين وكل ذاكرة في المنافي وكل قصيدة واغنية وثوب مطرز وصورة بالابيض والاسود هي قرائن لمثل هذا الوجود ، وهذه الكينونة التي تتفوق على كل التسميات ولا ترى في المؤقت سوى كمين جديد للاستدراج،.
ان حالة السُّعار اتي يعبر عنها نتنياهو وحكومته الآن هي تعبير عن العجز والاخفاق في الدفاع عن الاطروحة الملفقة للصهيونية ، فالفلسطينيون بملايينهم العشرة على امتداد خطوط الطول والعرض للعالم حقيقة فيزيائية بقدر ما هي تاريخية وثقافية ، ولأن لحظة الحقيقة ازفت ولا بد من الاعتراف بها فان هذه النوبات المتعاقبة من الصرع في اسرائيل تهدف الى تأجيلها لكن دون جدوى. واذا كان هناك يهود داخل اسرائيل او خارجها يسبحون الآن ضد التيار الصهيوني فذلك تعبير آخر ومضاد عن الهلع الذي اصابهم من المستقبل ، فهم يدركون ان سياسة حكوماتهم وجنرالاتهم العنصرية تورط احفادهم واحفاد احفادهم بمستقبل غير آمن على الاطلاق ، لانه محكوم عليهم بحمولة شاقة من الجرائم الموروثة.
ما تريده اسرائيل هو دولة ليغو تُبنى في خمس دقائق وتدمر في ثانية واحدة،،.
الدستور