ترسيخ الفكر الوسطي

في لقاء المنتدى العالمي للوسطية الذي انعقد في عمان، تجمع مجموعة من علماء الشريعة الإسلامية في باكستان وأفغانستان مع عدد من المفكرين والعلماء من الأردن وسورية والمغرب للبحث عن سبل وآفاق ترسيخ الفكر الوسطي في العالم الإسلامي وفي باكستان وأفغانستان بخاصة، حيث يقود التطرف البلاد والعباد إلى الدمار، وبدونا وكأننا نعمل ضد أنفسنا.
غزاة وطغاة وغلاة وشتات، هكذا يلخص المفكر المغربي محمد طلابي أزمة العالم الإسلامي، ونسارع إلى القول هنا أن الغلاة ليسوا فقط غلاة الإسلاميين ولكن أيضا غلاة العلمانية، والذين نجوا بفعلتهم، وهم يمارسون التطرف والإقصاء والإعراض التام عن الرأي الآخر بلا حساب أو مراجعة، وصار مفهوما تلقائيا ونمطيا أن التطرف يقصد به التطرف الديني فقط.
الفكر الوسطي كما يراه أصحابه هو تركيبي، يقوم على استيعاب المواقف والآراء والأفكار، والخروج برؤية وفكر يجمع المحاسن ويبدع ويطور في الأفكار والمواقف، أو هو عملية جدلية متواصلة، في الاستيعاب والإبداع، وما يكون اليوم إبداعا ووسطية يتحول غدا إلى تراث يخضع للمراجعة والمحاكمة من جديد، وهكذا تتواصل عملية المراجعة والبحث عن الصواب وما هو أكثر صوابا.
وذلك يعني ببساطة أننا لا نعرف الصواب ولكنا نبحث عنه، وربما لن نصل إليه أبدا، الأمر الذي يعني أن الأفكار والآراء والفلسفات جميعها تبقى موضع نظر وتقليب وقبول ورد واعتراض، ولكن لا يجوز إلغاء فكرة، أو منع رأي، فما يبدو اليوم تطرفا قد يكون غدا وسطية، وما يكون اليوم وسطية قد يكون غدا تطرفا.
والإنسانية ترقى كل يوم بنفسها وبمعارفها وعلومها، وينعكس ذلك بالطبع على فهمها وتقييمها للمسائل والأفكار والأحداث والمفاهيم، ولكنها في الوسطية الإسلامية ليست عملية إنسانية خالصة، وإنما تتفاعل في فهمها وتقديرها للمسائل مع النص الذي نزل من السماء، ما بين العقل والسماء، من غير تقديس للعقل أو تعطيل له، تبحث الإنسانية عن السلام والانسجام، لأننا ببساطة لا نعرف الكثير، وما نعرفه لا يساوي شيئا بالنسبة لما لا نعرفه، وما نكتشفه كل يوم يوضح مدى جهلنا وعجزنا، فالسماء تحمي العقل من نفسه، وتعوض عجزه، ولكنها لا توقفه أبدا، ولا تمنعه من التفكير، ولا تجبره على اعتقاد أو فكرة، وفي واقع الحال، فإنه لا يمكن إجبار الإنسان على أن يعتقد باعتقاد او يكفر به، "لا إكراه في الدين" ليست فقط قاعدة تشريعية وتطبيقية للدول والمجتمعات والأفراد، ولكنها أيضا حقيقة فلسفية وكونية وقاعدة في الفكر والنظر، في أن الاعتقاد والرأي والدين والفقه لا يمكن تلقيها/ الامتناع عنها بالإكراه.