اجتياح شمال العراق: فيلم سبق أن شاهدناه!

تركيا في حال حرب مفتوحة، حقيقة ميدانية يصعب على أحد وخصوصاً في الحكومة التركية والقصر الأبيض الرئاسي انكارها، والأزمة الدموية تفتك بالبلاد والعباد، دون ان يلوح هناك اي أفق بامكانية العودة الى طاولة الحوار، ولو عبر سجن ايمرالي الذي يقبع فيه زعيم حزب العمال الكردستاني التركي عبدالله اوجلان منذ ستة عشر عاماً تقريباً، ولهذا بدا الاجتياح العسكري التركي لشمال العراق (أي اقليم كردستان العراق الذي يرأسه مسعود برزاني حليف اردوغان كما يجب التنويه) وكأنه عودة الى الأساليب القديمة - غير الناجعة - التي استخدمها الجيش التركي، ضد قواعد الحزب في جبال قنديل العراقية، دون ان تُسفر عن نتيجة استراتيجية حاسمة، تقصم ظهر الحزب وتضعه في دائرة الهزيمة التي تفرض عليه - وقتذاك - رفع الراية البيضاء والقبول بما يتكرم عليه سادة انقرة من السياسيين او العسكر لا فرق.
وإذ بدا الاجتياح التركي وكأنه استعراض للقوة ورد فعل غاضب على الخسائر الفادحة والمتوالية التي الحقتها «عبوات» مقاتلي حزب العمال بالقوات التركية العسكرية والشُرطية، ما استوجب حملة مطاردة واسعة بحماية جوية كثيفة (قيل انها اشتملت على 50 طائرة مقاتلة)، فان صمت حكومة كردستان على هذا الانتهاك الصارخ لسيادة الإقليم (والدولة العراقية أيضا) ، يؤشر الى المأزق المزدوج الذي يعيشه الاقليم ورئيسه، اذ ثمة ازمة سياسية ودستورية حادة تعصف بالاقليم بعد انتهاء ولاية مسعود برزاني, ورفض شريكه في الحكم حزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال طالباني وباقي الاحزاب الاربعة المُمثلة في برلمان الاقليم , التمديد له لمدة سنتين او قبول مقترحه الداعي الى انتخاب رئيس الاقليم من قبل الشعب وليس برلمان الاقليم كما جرت الامور منذ عقد ونيف، اضافة بالطبع الى الخلافات العميقة والصراع على المكانة «التمثيلية»الاولى بين الكرد , يخوضها برزاني مع اوجلان، وكانت الأزمة السورية الكاشف الأكبر عن هذا الخلاف عندما انحاز برزاني بالكامل الى جانب اردوغان وشارك في حملته الانتخابية حاثاً اكراد تركيا على التصويت لحزب العدالة والتنمية، فيما أنكر عليه مناصرو اوجلان هذا الادعاء, واتهموه بأنه يبيع المصالح الكردية»القومية» لخدمة طموحاته الشخصية, فضلاً عن الصراع الذي اندلع بين انصار اوجلان من كرد سوريا الذين يستظلون في اغلبيتهم تحت راية حزب الاتحاد الديمقراطي PYO بزعامة صالح مسلم واولئك الذين دأب برزاني على استضافتهم في اربيل وسهّل عليهم الاتفاق الذي لم يُنفذ والمعروف باتفاق اربيل (هولير).
ما علينا..
قد يكون الرئيس التركي رجب طيب اردوغان, قد اختار هذا مسار المواجهة العسكرية لحشد المزيد من الاصوات التركية ذات النزعة القومية الطورانية في الانتخابات المبكرة التي دعا اليها في الاول من تشرين الثاني القريب, فأعلن فجأة عن مشاركته في الحلف الدولي الذي تقوده واشنطن لمحاربة الارهاب لضرب داعش وخصوصاً «ارهاب» حزب العمال الكردستاني, وهو ما ترجمه منذ ذلك الاعلان المشكوك في جدّيته ونياته, الا ان النتائج الميدانية وسقوط هذا العدد الكبير من الجنود الاتراك, جاءت معاكِسة لاهداف الرئيس الذي قد يدفع وحزبه ثمن هذه المغامرة, اذا لم يحدث تغيير جوهري في اتجاه المواجهات والنتائج, والتي - اذا ما تواصلت صعودا في الخسائر - فإنها قد تستفز المؤسسة العسكرية ذاتها والتي قد يخرج من بين صفوفها من يقول انه تم الزج بها في حرب, يمكن لاردوغان ان يبدأها لكنه غير قادر على تحديد نهاياتها, وخصوصاً ان مقاتلي الـ PKK قد اكتسبوا خبرة ميدانية واسعة وعميقة خلال مشاركتهم في معركة كوباني (عين العرب) وبعدها الحسكة وايضاً باتت خطوط امدادهم اسهل من السابق خصوصاً في اتجاه الحدود السورية, ناهيك عن نوعية السلاح الذي بات في ايديهم والتدريب الذي حصلوا عليه خلال سنوات «الهدنة» الثلاث التي انقضت منذ الاتفاق على وقف اطلاق النار في نهاية العام 2012.
في السطر الاخير يمكن القول أن المواجهة الراهنة بين تركيا وحزب العمال الكردستاني, تختلف في معطياتها واجوائها واكلافها كثيراً عن الجولات السابقة التي خاضها الطرفان, بعد ان تغيرت الاوضاع الميدانية وانقلبت التحالفات والاصطفافات وخصوصاً بعد الهزيمة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 حزيران الماضي وصعود نجم حزب الشعوب الديمقراطي»الذي هو حزب الكرد الاتراك» والاحتمالات الواردة لهزيمة اكثر وطأة تلوح في الافق عند فتح صناديق الاول من تشرين الثاني الوشيك.
(الدستور 2015-09-10)