السلطة إذ تحاكم أسرى في سجون الاحتلال!!

اعتقل أسد مفارجة من قرية بيت لقيا لمدة عام ونصف في سجون الأمن الوقائي التابعة للسلطة في رام الله ، ولم يفرج عنه رغم صدور قرار بذلك من المحكمة العليا بعد حوالي ستة شهور من اعتقاله ، ثم عادوا وأفرجوا عنه بعد تدهور وضعه الصحي ومكوثه في المستشفى شهرا كاملا ، لكن سلطات الاحتلال كانت له بالمرصاد ، إذ اعتقلته مباشرة بعد ذلك.
اليوم يتعرض أسد مفارجة وعدد من إخوانه الأسرى في سجون الاحتلال إلى محاكمات في محاكم السلطة تمهد لإصدار أحكام غيابية بحقهم ليصار إلى اعتقالهم حال خروجهم من سجون المحتل ، وغالبا بتهم تتعلق بما تسميه غسيل الأموال الذي يعني بكل بساطة العمل على توفير الأموال لأسر الشهداء والأسرى ، وبالطبع حتى لا يقال إن الاعتقالات تتم على خلفية سياسية ، لا سيما أن قصة العمل العسكري لم تعد موجودة بعد أن تم الانتهاء منها بجهود الجنرال دايتون وإبداع "الفلسطيني الجديد".
مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى تلك التي نتابع فصولها في الضفة الغربية بحق عناصر حركة حماس ، وبدرجة ثانية بحق بعض عناصر حركة الجهاد الإسلامي ، فهنا لم يعد للقيم ولا للوطنية ولا للمروءة أي مكان ، إذ لا يمكث الأسير المحرر من سجون الاحتلال بضعة أيام ، وأحيانا بضع ساعات حتى تداهم الأجهزة الأمنية بيته أو تستدعيه للحضور إلى مقراتها ليصار إلى اعتقاله ، بينما يحدث العكس بشكل دائم ، إذ يخرج الرجل من سجون السلطة ليجد قوات الاحتلال في انتظاره ، وكل ذلك في سياق من تبادل المعلومات بين الطرفين.
لا حاجة للتأكيد على أننا ندين أي اعتقال سياسي ، أكان في الضفة أم في قطاع غزة ، لكن واقع الحال يقول إن الوضع في القطاع مختلف إلى حد كبير ، حيث يتحرك أنصار فتح بشكل شبه عادي ، بل يحمل بعضهم السلاح أيضا.
وفيما تراجعت عمليات التعذيب في سجون السلطة بسبب الانتقادات التي وجهت من قبل أوساط دولية ومحلية ، إلا أن الظاهرة عادت للتفشي من جديد بحسب ما ذهبت عائلات عدد من المعتقلين بعد لقاء أبنائها في السجون ، ولا تسأل بعد ذلك عن استدعاء النساء وكبار السجن لاستجوابهم بشأن أبنائهم المعتقلين ، فضلا عن عمليات الإقصاء الوظيفي لمن ينتمون لحركة حماس ، لا سيما في وزارات التربية وسواها ، بما في ذلك النساء.
والخلاصة أننا إزاء حرب بالغة الشراسة تشنها أجهزة السلطة على حركة حماس ، وهي حرب تتجاوز استهداف الحركة إلى بث الإحباط بين صفوف الناس ، فضلا عن تركيع سائر الأصوات التي يمكن أن تفكر في مقاومة ، بل حتى انتقاد المسار القائم ، والذي يقوم على تغيير منظومة العمل الوطني برمته ، بما في ذلك تغيير حركة فتح ذاتها التي تعمل الحكومة عبر أموال المانحين إلى شرائها بالكامل وتحويلها إلى مجموعة من المنتفعين الذي يعطون الولاء لمن يقدم لهم المال والرواتب والامتيازات ، ولذلك لم يعد من العسير القول إن لسلام فياض من النفوذ في حركة فتح ما يوازي نفوذ الرئيس نفسه ، مع العلم أن ذلك يتم بعلم هذا الأخير ، وربما إرادته تبعا للتفاهم القائم بينهما على البرنامج الداخلي والمسار السياسي في آن.
ما يجري هو جزء لا يتجزأ من عملية إعادة تشكيل المجتمع في الضفة على مقاس الوضع الجديد ، وهو وضع لا مكان فيه للنضال ولا للجهاد والفصائل الجهادية ، فالمرحلة لا تمت إلى الماضي بصلة ، إذ أنها مرحلة بناء وتنمية ، وكل من يفكر في استعادة الوضع القديم ، سيواجه بالقمع من دون رحمة.
لا نعرف على وجه اليقين إلى متى ستستمر هذه المعادلة البائسة ، وإلى متى سيصبر شعبنا على هذه اللعبة التي تدير الظهر لتاريخه وتضحياته ، بينما تمارس أبشع أنواع التنكيل بخيرة رموزه وأروع رجاله ، لكننا نؤمن في المقابل أنها مرحلة عابرة لا بد أن تنتهي ، سواء تم ذلك بعد شهور أو سنوات ، والأيام بيننا.