حتى لا تكون «غزة» نهاية المطاف

(1)
في منتصف السبعينيات وبعد القرار الشهير لقمة الرباط عام 1974 باعتبار منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، أطلق المرحوم الرئيس عرفات والسيد نايف حواتمه شعارهما الشهير (غزة واريحا أولاً) ، إيذاناً بانخراط منظمة التحرير بالمشروع السلمي وتعبيراً عن القبول بسياسة المراحل ، وصولا لقيام الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
اليوم وبعد عقود طويلة منذ اطلاق ذلك الشعار ، فالوضع لا زال يراوح في نقطة البدء ، ولم يتقدم المشروع الوطني الفلسطيني قيد أنملة. وبالمقابل فان برنامج الاحتلال الاستيطاني التهجيري يتحقق على ارض الواقع ووفق الرؤية الاسرائيلية التي ترى القدس عاصمة موحدة لاسرائيل والضفة الغربية ، يهودا والسامرة،.
(2)
وبالتأكيد فان جوانب عدة مسؤولة عما حدث ، منها الدولية المتعلقة باختلال توازن القوى الدولي ، وبروز امريكا حليفة اسرائيل العضوية كقائد ومحرك وحيد للعالم وقضاياه. ومنها العربية ، كنتيجة لغياب مفهوم الامن القومي العربي والتكامل العربي ، والتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها اولا واخيراً قضية الشعب الفلسطيني وحده.. وبالتأكيد فان لذلك أسبابه التي لسنا بصدد الحديث عنها.
ان ما يهمنا هنا ، المسؤولية الذاتية للقيادات الفلسطينية وبالذات منظمة التحرير وحماس اكبر الفصائل الفلسطينية والتي لم تستطع مع الاسف ان تبلور برنامجاً وطنياً مرحلياً يحقق للشعب الفلسطيني مشروعه الوطني بانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. مع اننا كمواطنين عرب كنا قد استبشرنا خيراً حين جرت الانتخابات الفلسطينية الاخيرة ، وحين شكلت حكومة وحدة وطنية بمشاركة كافة الفصائل وبقيادة فتح وحماس. وكنا نعتقد بأنها بدء مرحلة توحيد الشعب الفلسطيني ضمن كينونة واحدة تؤهله لاخضاع الظروف الذاتية للشعب الفلسطيني ، ليتمكن من مجابهة الاحتلال وتحقيق مشروعه الوطني.
(3)
الا ان حساب السرايا لم يتطابق وحساب القرايا ، فانفجر الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني ، وأصبحنا امام جغرافيتين وحكومتين فلسطينيتين، ومع ان كليهما وهمي بامتياز ، حيث لا زالت الكلمة الفصل للاحتلال.
فانه ومع الاسف فان التناقض الفلسطيني - الفلسطيني قد اصبح اولوية تتقدم على الصراع مع اسرائيل ولم تنجح كافة الجهود العربية الخيرة والنزيهة للمملكة العربية السعودية ومصر في ان ترأب الصدع وتعيد اللُّحمة للشعب الفلسطيني وقواه النافذة.
(4)
والسؤال: هل هناك اليوم ، من خلاف جذري يحول دون المصالحة الفلسطينية؟. امس الاول تحدث الرئيس محمود عباس بوضوح لا يقبل التأويل ، مطالباً اسرائيل بالقبول بدولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني الذي احتل في الخامس من حزيران 67 وان تكون عاصمتها القدس الشرقية وذلك كأساس لاتمام عملية السلام. وهو ذات المطلب الذي سبق لحماس ان أعلنته مرارا وتكراراً ، اي دولة فلسطينية على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة.
وهنا ، فلا بد في التذكر كذلك بحديث الرئيس عباس ويده الممدودة للمصالحة واعادة توحيد السلطة والجغرافيا الفلسطينية وفق ما ورد في الورقة المصرية ، التي سبق لحركة حماس ان وافقت عليها كذلك ، اذن ، فعلامَ يختلف؟،.
(5)
انني اعتقد بأن الطريق معبدة لاتمام المصالحة الفلسطينية ، ولا توجد أسباب حقيقية وراء بقاء الحال على ما هو عليه ، ذلك ان المصالحة الفلسطينية هي الشرط الرئيس لاستئناف الشعب الفلسطيني لمسيرته في تحقيق مشروعه الوطني باقامة الدولة. وان اي تأخير او مماطلة بعدم اجراء هذه المصالحة ، انما يصب في خانة المصالح الاسرائيلية التي تراهن على الوقت لابتلاع الضفة الغربية والقدس ، بحيث يأتي يوم لا يبقى شيء للتفاوض. وان البنية الانقسامية الراهنة في صفوف الفلسطينيين ، انما تخدم اسرائيل وحدها وتعطيها المبرر لان تقول للعالم انه لا يوجد طرف فلسطيني مؤهل للتفاوض.
وبعد: فاننا لا نريد ان تكون غزة ، نهاية المطاف: فالشعب الفلسطيني يريد دولته على ترابه الوطني وعاصمتها القدس. ونداؤنا ان ترتقي القيادات الفلسطينية الى مستوى هذا الطموح.
الدستور