تعهدات سرية ورسالة ضمانات تفتح طريق المفاوضات؟!

أيضا أمام ملتقى السفراء الأردنيين على شاطئ البحر الميت، خصص جلالة الملك معظم خطابه للحديث في الشأن الفلسطيني. وقد لا يكون هناك جديد في الخطاب، لكن التكرار نفسه لعبارات قويّة جدا عن لعب اسرائيل بالنار، يكتسب دلالة بارزة ويتضمن رسائل مباشرة للمجتمع الدولي حول التدهور الذي ينتظر الوضع في المنطقة، وقد أردف جلالة الملك تحذيراته القويّة بالقول إن كل الخيارات مفتوحة للردّ سياسيا ودبلوماسيا وقانونيا، وقد لا تكون أوراق الأردن وحده بهذه القوّة، لكن إذا كانت هذه ردّة فعل أكثر الدول اعتدالا وقربا من عملية السلام، فيمكن أن نتصور إلى أين تتجه المنطقة.
الخارجية الأميركية تقرأ هذه الرسائل في سياق جهودها لاستئناف مفاوضات التقارب، وتقدر حساسية الموقف بالنسبة للقدس. وربما تكون الحملة الأردنية والعربية قد أثمرت، إذا صحّ ما نشر في الأيام الماضية عن تعهد سرّي قدمه نتنياهو للإدارة الأميركية حول تجميد الاستيطان في القدس. الخارجية الاسرائيلية نفت وجود هذا التعهد، وهي بالطبع ستنفيه ما دام سرّيا بحجّة عدم تفجير حكومة نتنياهو، وسيكون الامتحان في الميدان. وتستطيع الولايات المتحدة أن تقول للفلسطينيين إنكم لن تروا أعمالا استيطانية جديدة، لكن ثمّة ما هو أكثر من ذلك، إذ يدور الحديث بهذا الصدد عن رسالة ضمانات أميركية ستوجه للفلسطينيين، ليس عن هذا الموضوع فقط، بل أيضا عن مستقبل المفاوضات وأن مستقبلها المقرر هو قيام دولة فلسطينية مستقلة.
على هذه الخلفية يدور الحديث عن استئناف قريب جدا للمفاوضات غير المباشرة، يدشن بزيارة ميتشل المقبلة. وهنا يجب أن نقول إن المفاوضات غير المباشرة هي صيغة ملائمة جدا للفلسطينيين، فهي تحقق المطلب القديم بمشاركة الولايات المتحدة مباشرة كطرف راع وشريك مباشر، وهو الأمر الذي تمّ تنحيته كليا طوال حقبة السنوات الثماني من رئاسة جورج بوش الابن، حيث استبدل في توافق تام مع الرغبة الاسرائيلية بنظرية أن يكون دور الولايات المتحدة هو دفع الطرفين للجلوس وحدهما فقط على طاولة التفاوض. وكان جلالة الملك قد عمل بلا كلل لتجاوز هذه النظرية، التي تعني التحول إلى مفاوضات بنهاية مفتوحة، أي عمليا بلا نهاية في ظلّ التفوق الكاسح للجانب الاسرائيلي، ووفق رؤية اليمين الاسرائيلي، فالهدف عدم الوصول أبدا إلى حلّ نهائي يتمخض عنه قيام دولة فلسطينية.
وقف الاستيطان والالتزام المسبق بنهاية محددة للمفاوضات، تسفر عن قيام دولة فلسطينية هو أساس كاف يبرر للجنة المبادرة العربية التي تجتمع الأسبوع المقبل اتخاذ قرار باستئناف المفاوضات، وهي اللجنة المخولة باتخاذ القرار وفق رغبة الجانب الفلسطيني بوضع القرار بيد العرب. ونفترض أن الاستراتيجية الفلسطينية ستكون جعل المفاوضات غير المباشرة ليس فقط ميدانا لتقرير الانتقال الى المفاوضات المباشرة، بل ميدان للتفاوض حول ملامح الحلّ النهائي لكي يتمّ عندها فقط الانتقال إلى المفاوضات المباشرة.