الزواج الثاني بإذن الزوجة الأولى!

من القضايا اللافتة في تعديلات قانون الأحوال الشخصية ، ما يتعلق بالزواج الثاني ، حيث أوجب المشروع على القاضي قبل إجراء العقد التحقق من قدرة الزوج المالية على المهر والنفقة ، وهو إجراء تنظيمي يستند إلى سلطة ولي الأمر التقديرية في تنظيم المباح رعاية للمصلحة ، ومنعا لوقوع الضرر ، إعمالا للقاعدة الفقهية التي نصت على أنه يدفع الضرر بقدر الإمكان ، كما أوجبت التعديلات إفهام المخطوبة بأن خاطبها متزوج بأخرى ، منعاً لوقوع الضرر ، وأوجبت إعلام الزوجة الأولى بعقد الزواج بعد إجرائه (وليس قبل إجراء العقد،) كي لا يكون عدم علمها بالزواج سببا في ضياع الحقوق.
السؤال الذي طرأ لي بين يدي هذا التعديل هو: هل يجب على الزوج استئذان زوجته عند رغبته في الزواج بأخرى؟ هل يبيح الشرع أن يتضمن قانون الأحوال الشخصية اشتراط حصول الزوج الذي يريد التعدد على إذن الزوجة الأولى؟ جاء في الأثر إن سيدنا علي (رضي الله عنه) أراد أن يتزوج على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وكان علي قد رغب في الزواج من بنت أبي جهل ، فلم يرضَ النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن النبي السبب وهو ألا يجتمع تحت رجل واحد بنت رسول الله وبنت أبي جهل عدو الله ، ولكن عندما توفيت السيدة فاطمة تزوج علي بأكثر من امرأة ، وجمع بينهن: لأن المبرر لم يعد قائما ، ومن هذه القصة نعلم أن عليا لم يقم بالزواج إلا بعد الاستئذان ، ويعلق العلماء على هذه الواقعة بقولهم إن هذا من باب حسن السلوك ، وليس واجبًا ، ولا فرضًا شرعيًا ، ولكن تأسيًا بعلي (رضي الله عنه) ومن مثل هذه الواقعة ندرك أنه يحسن للزوج أن يبين لزوجته وأن يخبرها بالأسباب: لتعينه على أن تستمر معه ، ولكن ليس حقًا لها ، ولا تملك منعه،.
ومع هذا ، يقول الشيخ عبدالله الجبرين في موقعه حول هذا المعنى ، في جوابه على سؤال حول حكم استغلال البعض لإباحية تعدد الزوجات بالزواج والطلاق كل حين ، والتفريق بين الزوجات والأبناء في المُعاملة والمُجاهرة بذلك ، إن الله عز وجل أباح للرجل أن يتزوج أكثر من واحدة بشرط العدل في القسم والنفقة والمؤانسة وجميع ما تحتاجه المرأة ، ثم قال تعالى: "فَإًنْ خًفْتُمْ أَلَّا تَعْدًلُوا فَوَاحًدَةً" ، ثم إن القصد من النكاح هو الإعفاف للزوجين والذرية الصالحة ، فلا يجوز أن يكون القصد هو قضاء النهمة البهيمية ، وقد ورد ذم الذواقين والذواقات وهم الذين يقصدون مجرد قضاء الشهوة مرة ثم يطلب الفراق ، فيكثر الزواج والطلاق أو المرأة تقصد الدخول به مرة ثم تطلب الطلاق ، فإن في ذلك ضررا على الزوجة إذا طلقت لأول نكاح وفيه إساءة الظن بها ، وإذا تزوج الرجل اثنتين أو أكثر فعليه ان يسوي بين زوجاته في جميع ما يقدر عليه ويحرم عليه التفريق بينهن. «البقية ص15»
ومن أطرف ما قرأت في مجال تعدد الزوجات ، ما حدث في تونس - وهى بلد إسلامي - يجرم القانون الوضعي واقعة الزواج الثانية ، فقد نشرت الصحف هناك وقائع القبض على زوج بتهمة زواجه من امرأة ثانية وجدت معه في شقة الزوجية ، وأثناء المحاكمة نصح المحامي الزوج بأن يعترف بأن المرأة التي كانت معه هي في الحقيقة عشيقته ، وليست زوجته فحكمت المحكمة بالبراءة،.
ومن الطرائف أيضا ، ما قاله المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون: "إن مبدأ تعدد الزوجات (الشرقي،) نظام طيب لرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تأخذ به ، ويزيد الأسرة ارتباطًا ، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تراها المرأة في أوروبا ، حيث تتزوج زواجًا شرعيًا ولا تقع في علاقات آثمة ، ولست أدري على أي أساس يبني الأوروبيون حكمهم بانحطاط ذلك النظام - نظام تعدد الزوجات - بل إنني أرى أن هناك أسبابًا تحملني على إيثار نظام التعدد على ما سواه"،.
هذه خواطر ، واستشهادات ومقتطفات ، أضعها بين يدي السؤال الأول: هل يبيح الشرع أن يتضمن قانون الأحوال الشخصية اشتراط حصول الزوج الذي يريد التعدد على إذن الزوجة الأولى؟.
الدستور