إجهل عدوك!!

عندما تعاني المجتمعات من فائض الكبت بمختلف أنماطه ومستوياته فهي تقرأ ماضيها وتستقرىء حاضرها بالذهنية القاصرة ذاتها ، وقد يكون معظم ما تنشره الصحف العربية من ترجمات عن العبرية بشكل خاص خاضعا للرغائب ، وبالتالي للاسقاطات العاطفية والسياسية على السواء في اسرائيل ثمة حراك يندر ما يناظره أو يماثله في عالمنا العربي ، رغم ان الفترة الراهنة كما يقول بعض المحللين الاسرائيليين تعاني من بطالة سياسية.
هذا الحراك يشمل اليمين واليسار والوسط ، ويحتمل وجود متطرفين من طراز الحاخام عوفاديا وساسة من طراز ليبرمان ، وبالتالي فان ما ينشر في الصحف العبرية وعلى مواقع الانترنت غير متجانس على الاطلاق ، والمفروض ان يقدم الاعلام العربي بمختلف وسائله بانوراما تشمل عناصر المشهد كله ، وليس فقط تلك المقالات التي تدين الحكومة الاسرائيلية لأسباب محلية خالصة ، ولا شأن للعرب وعيونهم السود بها ،
والخلل في هذا النقل ، يكمن في أمرين ، أولهما ان دعاة السلام والمبشرين به ومن يطلق عليهم اسم المطبعين يبحثون عن مقالات اسرائيلية تلبي افكارهم وتتناغم مع اطروحاتهم والعكس صحيح ايضا ، ولن يعدم الطرفان ما يتيح لكل منهما أن يختار ما يشاء ويترك ما يشاء ، فالمسألة أولا واخيرا منوطة بالنوايا والايديولوجيات وليست مرتبطة برسالة التوعية أو ما سمي في أعقاب حرب حزيران 1967 اعرف عدوك.. وان كان لا يعرف نفسه وجاره لن يعرف عدوه أو سواه ، وتلك حكاية أخرى متعلقة بوعي زائف ، ومطابق للواقع وليس مفارقا له،
لكن من يعانون من ضيق تنفس ديمقراطي وتوشك تجربة البانوراما أن تنعدم لديهم ، لا يرون غير ما يريدون ، وقد لاحظت أن ما يهتم الاسرائيليون بترجمته أكثر من سواه من صحفنا العربية ليس ذلك النمط المباشر ، أو الذي يدور حول نفسه منذ نصف قرن ، لهذا استغربت ذات يوم أن روبنشتاين اهتم بمقالة لي عن المرأة العربية. وكان السياق الذي ورد فيه ذكر المرأة هو الجامعة العربية وصعوبة تأنيثها ، بمعنى أن يكون لها ذات يوم أمين عام امرأة تماما كما هو الحال مع الأمم المتحدة التي لا تزال حكرا على الذكورة..
ان ما بين السطور يهمهم أكثر من السطور ذاتها ، لكننا لا نهتم الا بالكلام المباشر الذي يصدر عن محللين سطحيين أو حاخامات لا قيمة فكرية لهم،
والترجمة من العبرية ليست المسألة كلها ، انها مجرد رافد من نهر كبير ، فالتنسيق العربي حول ما يترجم ليس قائما على الاطلاق ، لأن الترجمة لا تزال جهدا فرديا ، وعندما تأسست في بعض الأقطار العربية اصابتها عدوى الكسل والبحث عما هو في متناول اليد واللسان،
لقد مرّ أكثر من أربعة عقود على شعار اعرف عدوك.. لكننا حتى الآن لا نعرفه الا لماما ، وهو من جهته معني بهذا الغموض ، لأن الغموض كما قال بيرنر قبل ثلاثين عاما يضاعف من خوف الخصوم ، وبالتالي يربك دفاعاتهم،
معرفة العدو تقتضي بدءا وعي الذات ، لكن الاغتراب والاستلاب اللذين يعيشهما العربي الآن يضاعفان من جهله لذاته والآخر ومجمل المحيط الذي يحاصره..
ولا نذكر أن احدا رفع شعار اجهل عدوك ذات يوم ، لكن هناك فلسفة نعامية طالما لاذ بها من يستخفهم الطرب ، تتلخص في السعي الجاد الى الجهل بالآخر ، عدوا أو غير عدو.. لأن معرفته تتطلب مواقف واستراتيجيات لا تتيحها ذهنية التواكل والفرار من مجابهة الحقيقة..
وثمة تجربة رائدة في مجال الترجمة عن العبرية ومعرفة كل التفاصيل عن اسرائيل بدأها مركز الابحاث في بيروت ، وتم اجهاضها مبكرا ، ونذكر ان أول هدف كان لاسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 كان هذا المركز،،
الدستور