من المسؤول؟!

مرّة أخرى، تعيد أحداث الشونة الشمالية المؤسفة، بعد أن هدأت الأمور وانتشرت قوات الدرك في المنطقة بصورة كاملة، فتح ملف العلاقة بين رجال الأمن والمواطن، في ضوء تكرار دعاوى "المبالغة في استخدام العنف" لقمع المواطنين أو مواجهة حالات أمنية معينة، وفي المقابل تكرار حوادث الاعتداء على رجال الأمن.
الرواية الرسمية الأمنية أنّ الموقوف الأول، الذي قضى، شنق نفسه بنفسه، وفقاً لتقرير الطب الشرعي. فيما يدّعي أهله بأنّه قضى جراء التعذيب الشديد، وقد قضى شقيقه بعد أحداث شغب سادت مع إعلان وفاته بين أهله ورجال الأمن، وما يزال شقيقه الثالث يتلقى العلاج.
في المقابل، أصيب رجلا أمن بالرصاص أثناء المواجهات المؤسفة، التي أدت أيضاً إلى أضرار جسيمة وقعت بمستشفى حكومي، وممتلكات عامة وخاصة.
بعيداً عن تضارب الروايات، فإنّ تكرار الادعاءات بحالات تعذيب ووفاة، سواء في مراكز التوقيف الأمني، أو الإصلاح والتأهيل، أو أثناء الاضطرابات، من دون وجود نتائج معلنة لتحقيقات تحظى بالمصداقية والثقة من المواطنين، يؤدي بالضرورة إلى الرفع من وتيرة الاضطراب بين الأمن والمواطنين، ويخلق مزاجاً عاماً لا يثق بنتائج التحقيق، ويتجاوز ثقافة الاحتكام إلى القانون، إلى سيادة ثقافة الخروج على القانون والدولة، واستخدام العلاقات الاجتماعية في مواجهة السلطة والأجهزة الأمنية.
هيبة الدولة ومؤسساتها من هيبة رجل الأمن واحترامه. هذه بديهية لا خلاف عليها، ومصدر أساسي من مصادر الاستقرار السياسي والأمني، الذي لا يقبل النقاش أو النزاع بين عاقلين.
لكن، في المقابل، فإنّ الهيبة الحقيقية لرجل الأمن تكمن بطبيعة دوره ومهمته في حماية القانون وضمان تطبيقه وسيادته، ما يشعر الناس بالأمن والعدل والطمأنينة، ويعزز من مصادر الاحترام الاجتماعي الطبيعي لرجل الأمن ودوره.
بالعودة إلى الشهور الأخيرة، فإنّ تحمل جهاز الأمن عبء مواجهة مشكلات اقتصادية واجتماعية، مع ضعف الأدوات السياسية والإدارية الأخرى، أدى إلى توترات حادة بينه وبين المواطنين، لم تكن معهودة في السابق، بخاصة أن أغلب تلك الحوادث ذات طبيعة اجتماعية أو مطلبية، ما وسّع دائرة تداعياتها الأمنية والسياسية أو الاجتماعية.
ما حدث، مثلاً، مع عاهد علاونة، خلال اعتصام عمال الموانئ في العقبة قبل عدة أشهر، بمثابة مؤشر واضح صريح على غياب الثقة في لجان التحقيق. فقد تعرَض لضرب شديد واعتداء أدى إلى إصابات حادة دائمة وفقدانه حاسة الشم، ومشكلات صحية، ولم تعلن نتائج التحقيق، ولم يحاسب المسؤول عن مأساة هذا الرجل.
الحالات عديدة، وفقاً لشهادة المركز الوطني لحقوق الإنسان، تتطلب اليوم تعزيز القناعة الاجتماعية والشعبية بمبدأ "سيادة القانون على الجميع"، بصورة صارمة، ما يحمي رجال الأمن أنفسهم من أي تجاوزات داخلية، أو ضدهم، وفي الوقت نفسه ينزع أي مبرر لدى المواطنين للقيام بأحداث شغب أو انتقام من رجال الأمن، طالما أنّ القانون يحمي حقوق الجميع ويعاقب المسيئين.