"برجوازية عمان" في المنتجع

طقس جميل وأجواء مترفة وخدمة راقية، تنعّم بها أكثر من ألف مدعو على شاطئ البحر الميت ليلة أول من أمس. إنه "o beach" أو المنتجع الجديد على الشاطئ، ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب من تجمع الفنادق الحالي، أقيم على مساحة 35 دونما بكلفة قيل إنها بحدود 35 مليون دينار.
وبحسب ما سمعنا فالمنتجع من أكبر وأفخم المنتجعات في المنطقة (وقيل في العالم)، لا يوجد فيه غرف فندقية فهو مخصص فقط للسباحة والاستجمام والأكل، أي مثل شاطئ عمّان السياحي مع الاعتذار عن التشبيه، وعلى كل حال ما دام هناك فقراء وأغنياء فليكن لكل منهما منتجعه.
وما دامت البرجوازية موجودة، وتريد أن تنفق على رفاهيتها، فلا بأس من توفير المرافق لها، ونحن نأمل لهذا الاستثمار المكلف، الذي يستخدم أكثر من 350 عاملا وموظفا أن ينجح، لكنني أتساءل عن السياحة وخصوصا الخليجية، فمن الصعب تصور أن عائلة تقيم في فندق على شاطئ البحر الميت وتذهب إلى المنتجع، حيث لا فرق في المرافق إلا من حيث سعتها.
تتدرج المرافق على سعة كبيرة وبهندسة بيئية مناسبة، وثمّة وحدات مناسبة لجمعات عائلية، ملحق بها جميع الخدمات، قرب برك فاخرة ومرافق ترفيهية ورياضية وصحيّة. ومع ذلك يحتاج متوسطو وكبار السنّ إلى ما يشبه الغرفة للجوء إليها في نهارات الصيف القائظ، وهو أمر ربما يفكر فيه القائمون على المشروع.
يصلح المنتجع أيضا لسهرات مسائية، والحق أن الأجواء كانت جميلة في الاستضافة التي وفرتها الإدارة للتعريف بالمنتجع ومرافقه الواسعة، وكانت قد تمت دعوة الإعلاميين قبل ذلك بأيام لكنني انشغلت بالتزام آخر واقترحت تلبية الدعوة التالية الأكثر اتساعا، وكان ذلك أحسن لكي أرى كم أننا مجتمعات مختلفة في مجتمع ومدينة واحدة.
هذا ليس اكتشافا جديدا، في الحقيقة، فأحياء عمّان عوالم متباينة معيشيا واجتماعيا وثقافيا، لكن ندر أن وجدت نفسي في تجمع بهذا الحجم، وهذا الكمّ من الوجوه التي لا أعرفها ومن أول السهرة إلى آخرها، صادفت معارف يقلّونّ عن أصابع اليد الواحدة.
وفي لحظة معينة فكرت أن هذه برجوازية عمّان، التي لا تقرأ الصحف ولا ترى التلفزيون الأردني ولا تذهب إلى المناسبات العامّة، ولا الانتخابات النقابية والندوات، وربما كنت سأتعرف على بعض الوجوه لو كنت أتردد على السوق المالي، ونادي ديونز ونوادي الروتاري والليونز.
لا بد أن الدعوات وجهت لأوساط الأعمال، وليس بالضرورة أن يكونوا من كبار الأثرياء، لكن بحسبان أن البرجوازية تاريخيا كانت فئة قليلة جدا، فإن التوسع الكبير يتيح لمرافق مكلفة مثل الفنادق والمطاعم وهذا المنتجع أن تشتغل بشرائح ثرية ومحدثي النعمة، ومن سماتها أنها تنفق على الرفاهية الاستهلاكية وليس الثقافية.
ثقافيا، التزم الجميع بملابس قطنية بيضاء خفيفة، وبقيت لبعض الوقت مندهشا كيف توافق كل الحضور على هذا اللباس الصيفي "الكاجوال"، ولم أكن قد انتبهت أن بطاقة الدعوة تضمنت ذلك، فذهبت ببذلة وربطة عنق، وزوجتي بفستان سهرة أسود، فبدا كما لو أننا دخلنا المكان الخطأ، وأنا على كل حال لم يكن لدي بنطلون أبيض!
الغد