عكاز من عظم الساقين!

طالما طرحت العصامية مقال العظامية ، فكان الفوز دائما لمن نحتوا عكازهم من عظم الساقين واستدعوا كل ما لديهم من احتياطي القوة والارادة لاجتراح ما كان مدرجا في خانة المستحيل.
نقرأ السير الذاتية لزعماء وفلاسفة وادباء واصلاحيين حالمين بتغيير العالم وجعل الاقامة على هذا الكوكب ممكنة ، فنجد ان معظم هؤلاء قد كدحوا واستولدوا النار من الحجر ، فكوفئ من كوفئ وعوقب من عوقب ، لكن عقاب برويثيوس في اسطورة الاغريق كان الاشد ، لان الحكم عليه كان بأن تنهش النسور قلبه العاري ثم يعود لينمو من جديد الى ما لا نهاية ، ورغم ان العرب يمتدحون العصامي في امثالهم ومواعظهم ، الا انهم سرعان ما يقلبون ظهر المجن ويعيرون من كان خبازا او بائع ثلج او عاملاً ، بماضيه وطفولته رغم انه بلغ ما لم يبلغه سواه من الذين ينبشون في الدفاتر القديمة على طريقة اليهودي المفلس.
انها مناسبة لتحريض كل عصامي تجاوز شرطه التاريخي او الجغرافي او الطبقي كي يكتب تجربته لعل القادمين يتلقحون بها ضد وباء الاستنقاع والمراوحة في دائرة لا يتجاوز قطرها الصفر ، لكن المؤسف ان هناك عصاميين يعيدون اختراع طفولاتهم وصباهم بما يليق بما انتهوا اليه من مواقع وبهذا النكران للماضي تكون الخسارة مزدوجة لهم ولن يقرأ لهم او يحاول اقتفاء خطاهم ، ونادرا ما يشهر العصامي طفولته الشقية فيوجه العالم كما فعل الشهيد ناجي العلي ابن مخيم عين الحلوة الذي كان يبيع البندورة على عربة محطمة يطوف بها ازقة المخيم ثم صار يطوف العالم كله بجناحين لا يكلان من الخفقان والتحليق عاليا،.
العصامي لا يقترض من الماضي ولا يتطفل عليه بقدر ما يقدم للمستقبل ما يشبه المديونية ، لانه عاش رغم التاريخ وليس بفضله وحول العقبة الى رافعة ، والضارة الى نافعة ، وما هو سبب وجيه للهزيمة الى سبب اكثر وجاهية للانتصار،.
ان اول ما يتذكره الناس عندما يسمعون عن يتيم انجب اباه من صلبه وتخطى الحدود الصارمة المرسومة لحياته هو ما كان عليه في صباه الشقي ، وكأن تغيير الحال من المحال وفق هذه الرؤية القاصرة للانسان والعالم،.
اذكر للمثال فقط ان كاتبا كبيرا مثل البير كامو تذكر شقاء طفولته وهو يتسلم جائزة نوبل في استكهولم وقال بصوت جهوري ان السلالم الخشبية الصقيلة للاكاديمية السويدية لا تنسيه الفزع الغريزي لاصابعه عندما كان يصعد درج البيت الفقير في حي بلكور الجزائري يوم كان يذود الصراصير والفئران عن قدمي امه النائمة.
ان بناة هذا العالم هم عصاميون بكل المقاييس حتى وُلًدَ منهم عظامي وفي فمه ملعقة من ذهب او ماس ، لانهم لم يركنوا الى ما انجزه الاسلاف في الماضي بقدر ما حولوا هذا الماضي الى مرتكز للقفز فوقه ، ورغم ان رفوف المكتبات في العالم وفي مختلف اللغات والثقافات تعج بالسير الذاتية لعصاميين اشرقت الشمس من اجلهم لانهم اعترفوا وعرفوا كيف يحولون الفحم الى ماس ، الا ان العرب لا يزالون يعانون من الخوف والحذر عندما يجهرون بشقائهم. ومنهم من يخترع حتى ابوين وطفولة لم يعرفها،.
الدستور