نحن و «علماء الإخوان» و «المادة 10»

يستعير البيان الصادر عن "مجلس علماء جماعة الإخوان المسلمين" بشأن مشروع قانون الإحوال الشخصية ، مفردات واتهامات مستلّة من قاموس الحكومات المتعاقبة ، والتي غالباً ما استخدمتها ضد الجماعة نفسها ، وضد حزبها السياسي ، في تبادل غريب للمواقع والمواقف ، يذكرنا بازمنة غابرة من التحالف بين الفريقين في مواجهة المد القومي واليساري والتقدمي في خمسينييات القرن الفائت وستينياته وسبعينياته.
فالذين رفضوا "المادة "10 من مشروع القانون ، هم من وجهة نظر "العلماء" إما "جمعيات مشبوهة" أو مجموعات نسوية مستغربة" ، أو "كتاب يسيرون في فلك الغرب" ، ويمضي البيان في "تسْفيه" الرأي الآخر وأصحابه بالقول: "ولو دخلوا - الغرب - جحر ضبْ لدخله هؤلاء" ، في عودة ممجوجة للغة الإلغاء والإقصاء ، وفي استحضار مقيت لمنهج التكفير والتخوين ، والتحليل والتحريم في العمل العام ، وبصورة تغلق آفاق الحوار وتجعله مستحيلا.
والأنكى أن "العلماء" في معرض دفاعهم عن مشروع القانون والمشرّع ودائرة قاضي القضاة ، نسوا أو تناسوا أن "الجماعة" قالت في هؤلاء ، وبالأمس القريب فقط ، ما لم يقله مالك في الخمر ، عندما لم تأت رياح التشريعات ومشاريع القوانين بما تشتهي سفن الجماعة ، ولمن خانتهم الذاكرة ، أدعوهم لاستحضار مواقف الإخوان من رفع التحفظات على اتفاقية سيداو ، والعودة إلى التصريحات الإخوانية المُتّهمة لأركان الحكم بالخضوع لـ"أجندات خارجية" أمريكية على وجه الخصوص ، عند إقرار قانون الصوت الواحد ، وهي الاتهامات التي قابلتها الحكومة باتهامات مماثلة ، أدت إلى ما أدت إليه من تصارع حكومي إخواني طبع علاقات الجانبين طيلة السنوات الماضية.
ومسكين هو هذا المجتمع المدني الأردني ، مسكينة هي منظماته النسائية أيضا ، فهو وهنّ ، متهمون دائما بالعمل لخدمة "أجندات خارجية" ، تارة من قبل بعض الأوساط الحكومية لا سيما عندما يتعلق الأمر بالحديث عن المواطنة والحقوق والحرية والديمقراطية والعدالة ، وتارة أخرى من قبل "الإخوان" عندما يتصل الأمر بالموقف من "سيداو" أو "تزويج القاصرات".
والحقيقة أنني أجدها مناسبة لرفع الصوت ضد "المادة "10 من مشروع قانون الأحوال الشخصية ، وأضم صوتي إلى صوت إملي نفّاع وأخواتها "المستغربات" ،
واللواتي كنّ "مستشرقات" ذات يوم من وجهة نظر الإسلاميين أنفسهم ، وأشد على أيديهنّ في رفض "الاعتداء" على القاصرات تحت مسمى الزواج ، نقولها بالفم الملآن ومن دون خشية من اتهام أو ابتزاز ، فهذا ما كنّا عليه من قبل ، وهذا ما نحن عليه اليوم ، وهذا ما سنبقى مستمسكين به أبدا.
بل وأنني أجدها مناسبة للدعوة إلى إعادة الاعتبار للغة الحوار بين المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية الأردنية من دون إشهار لسيوف "الجهاد" ضد الآخر من أبناء الوطن والمجتمع ، فنحن الذين رفضنا "التغوّل" الحكومي على الحركة الإسلامية بالأمس ، نرفض اليوم وبالقدر ذاته من الشدة ، "تغوّل" الحركة الإسلامية على المجتمع المدني والتيارات الأخرى ، دفاعا عن التعددية الأردنية وذودا عن حرية الرأي والتغبير وصونا لقواعد الديمقراطية التي نتطلع لإرسائها في بلادنا.
ورفقاً بنا وبالأردن والأردنيين جميعاً ، فنحن لو جمعنا أصحاب الأجندات الخارجية وفقا لبيانات الحكومة والمعارضة والإخوان ومقالات بعض الكتاب و"المحررين السياسيين" والمواقع و"مجالس النميمة" ، لما بقي في البلاد أردني واحد بأجندة أردنية ، فهل نرعوي؟،.
وأختم بالإشارة إلى المفارقة الطريفة في علاقات الإخوان بالحكومات ، فهم إذ يديرون معارضة سياسية لها ، لا تعرف الهوادة خصوصا في ميدان السياسات والمواقف الإقليمية ، نراهم لا يكفون عن السعي لاستعادة التحالف معها في "المجال الاجتماعي والثقافي والدعوي" ، بل ويبدون الاستعداد للتنازل في ملفات "جوهرية" ، وإصدار "صكوك براءة" إن وجدوا تساوقا من الحكومة والمشرّع مع "فتاوى" علمائهم في هذا المجال ، ويبدو أن لدى الحكومة والمشرّع ميلاً لتجديد عرى التحالف مع الإسلاميين في هذه الميادين ، شريطة أن تُخلي المعارضة مواقع تشددها السياسي وتدور الزوايا الحادة في مواقفها ، حتى وإن كان الثمن ، تبديد منجزنا "المعقول نسبياً" في مجال حرية المرأة وتقدمها واحترام حقوقها ، فأية ازدواجية هذه؟،.
الدستور