الدم الذي لا يصير ماءً

تم نشره الثلاثاء 04 أيّار / مايو 2010 05:25 صباحاً
الدم الذي لا يصير ماءً
ماهر ابو طير

صباح الخير على ارواح الشهداء ، صباح الخير ، على بيوت السلط العتيقة ، وبيوت الكرك القديمة ، وعلى الجباه التي ما انحنت الا لله ، وعلى القلوب التي تعرف ما يرضاه الله ، وما لا يرضاه.

صباح الخير ، على امهاتنا الطيبات عند مطلع الفجر ، في كل شبر من الارض المباركة ، ارض الانبياء والشهداء والصالحين ، الذين لم ترحل ارواحهم ، وبقيت تقول ان سر الاردن ، كبير ، وسيبقى كبيرا ، بكل شعبنا ، بكل انصاره ومهاجريه ، بكل ما في الانصار والمهاجرين ، من "دم واحد" يسري في العروق ، وهو دم لم يكن وليد عام ، ولا عشرين عاما ، بل ممتد عبر مئات السنين ، وسيبقى لان الدم لا يصبح ماء ، مهما خاض فيه الخائضون ، بأيديهم او شفاههم.

لي في كل مكان في الاردن ، قصة وصديق واخ وابن عم ، ولم اترك قرية او بادية او مدينة او مخيما ، الا وزرته ، على مدى احد عشر عاما ، هي عمر الملف الانساني الذي تناولت عبره مئات القصص والحكايات ، لاناس يعانون من مظلمة ما ، وعرفت الناس على طبيعتهم ، ودخلت بيوتهم ، وجلست الى جداتهم ، وشربت من قهوتهم ، فوجدت شعبا طيبا ، وجدت بيتا لي في كل بيت ، لا يعرف عن "طنين المئات" الذين يريدون اردنا جديدا متناحرا ، بعد تخريب الاردن الذي نعرفه ويعرفنا ، والذين يريدون "صلب الوطن" باسم معاداته او عشقه.هل يصلب المرء وطنه؟ سؤال مفتوح بين يدي من يعتبرون اللحظة مناسبة للصلب ، بدلا من رص الصفوف.

العمل الانساني والاجتماعي يقودك الى استخلاصات سياسية ، من ابرزها ان الناس في عمومهم اطهار وطيبون ، يتقاسمون معا رغيف الخبز وشربة الماء ، صدورهم نقية ، فيهم خير كثير ، لا تبدده هذه العصبية والاستثارات ، ولا ادعاء الوكالة عن احد ، والناس ايضا على مشرب واحد ، لا تأخذهم نعرات ولا امراض ولا.. فورات تخالف الدين والاخوة والتاريخ. والذي يدعي الوكالة لمخاصمة الوطن واهله ، اوالدفاع عنه ، بطريقة لا تختلف عن مخاصمته ، فليرًنا توثيقات وكالته.

ايضا الغالبية الساحقة من اهلنا تتمازج دماؤهم ، وانسابهم ، عبر التاريخ والحاضر والمستقبل ، وما من واحد فينا الا وله خال هنا او هناك ، او جّدة هنا او هناك ، او نسيب هنا او هناك.تتذكر كل هذا الكلام وانت ترى من يريد شق "قلب الوطن" بمنشار تحت ذرائع مختلفة ، وتسأل نفسك هل هناك عنوان وطني او غير وطني في الدنيا يسمح بأن يشق المرء قلبه بمنشار ، ثم يدعي ان القلب قادر على الخفقان بعد ذلك ، واي منطق هذا يسود اليوم ، لدى هذا او ذاك.

الجميع للوطن ، والوطن للجميع ، واذ سبق تعبير "الجميع للوطن" مطلع السطر ، فلأن علينا واجبات جميعا ، تجاه هذا البلد وتجاه استقراره وامنه ، الواجبات تأخذنا الى الاحساس بأن هذا الوطن ليس لمن يهلكنا بصوته المرتفع ، وليس لمن يهدده بتقرير يفرده عند اصحاب الوجوه الشقراء ، وليس ايضا لمن يدعي وكالته ، دون وجه حق ، وليس لمن يريد تفصيله كما يريد ، اذ هناك "حبل سري" يربط كل واحد فينا بهذا البلد العظيم ، هذا الحبل لا يقطعه موقف هنا ، ولا قصة هناك ، و"وحدة المصير" والحاضر والمستقبل ، تفرض علينا ان نعرف ان رمي "الجمر المتقد" بشكل عشوائي ، لا يحمي وطنا.

استبدال العداوات بعداوات اخرى ، امر كارثي ، وكل ما تريده اسرائيل اليوم ، ان يتم تفتيت الوحدة الوطنية الداخلية ، بعناوين وطنية او غير وطنية ، ولا يهمها العنوان ، كل ما يهمها ان نأكل لحم بعضنا البعض ، وان نشهر سيوفنا على بعضنا البعض ، ولا يهم من يبدأ او من يرد ، وكل ما يهمها ان ترى النار مشتعلة في البيت الاردني ، هذا البيت الذي له فضل على الجميع ، ولا يحق لاحد بذريعة مخاصمته او الحفاظ عليه ، ان يشعل النار فيه من الداخل ، ويعتبر الامر وجهة نظر.هل اشعال النار في بيتي وجهة نظر؟.

دعونا من الوكالات التي تنطق باسم اي احد كان ، ولو استفتينا شعبنا ، لوجدنا ان الامر لا يعنيهم ، الا بقدر أسفهم على هذه التغذية المؤذية واثارة الكراهية ، والتخندق ، الذي يخدم اسرائيل ، اولا ، لسبب بسيط ، لانها سترتاح جدا ، حين ترانا نطعن ظهور بعضنا البعض ، فتتحول المعركة من مجابهة مخططاتها ، الى طحن بعضنا البعض ، بهذه الخناجر المسلولة ، التي تتوه بصيرتها ، وتطعن نفسها وذاتها ، متناسية ان الغضب غير منتج ما لم تكن نتائجه مضمونة ، ووطنية ايضا ، ومنطقية من جهة اخرى.

الجميع للوطن والوطن للجميع ، وحتى تنفرج كروب الدنيا ، فان علينا ان نتقي الله ، في انفسنا ، وفي وحدتنا ، وان نصون انفسنا عن الانزلاقات ، وان نتذكر ان الاسهل هو ان تشعل نارا ، وان الاصعب ان نتحمل نتائجها ، او نتمكن من اطفائها.

" عمره الدم ما صار مّيه" ، ولايشرب "الكريم" دمه. أليس كذلك؟.

 
الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات