بل "فضيحة أخلاقية"!

كلمة حق مهمة في هذه اللحظة التاريخية تحديداً، صدرت عن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، عندما سئل (أول من أمس) من أحد النواب عن مستقبل الأسد، فأجاب بأنّ رد الاعتبار للأسد سيكون "خطأ أخلاقياً"، وسيؤدي إلى الشلل!
أهمية التوقيت أنّ الروس وحلفاءهم يضغطون اليوم، في الاجتماعات والمبادرات، على العالم الغربي والدول العربية للقبول بدور للأسد في المرحلة الانتقالية، ويضعون الجميع أمام خيارات خادعة ومضللة؛ "إما الأسد أو داعش". وهو الأمر الذي يجد تواطؤاً عملياً من قبل الإدارة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، لتأتي تصريحات رئيس وزراء فرنسا برفض خيار "إعادة تأهيل الأسد"!
يضيف فالس موضّحاً لماذا يعتبر الإبقاء على الأسد "خطأً أخلاقياً"، فيقول: "من يمكنه أن يتصور، ولو للحظة، أن المسؤول عن هذا الكم الكبير من الكوارث قادر على تجسيد مستقبل البلاد؟!.. من يمكنه أن يتصور أن المسؤول الرئيس عن المشكلة يمكن أن يكون جزءاً من الحل؟!.. وكيف يمكننا دعم العودة إلى الوضع الذي كان قائماً ما قبل الحرب بحجة أن البديل عن الطاغية سيكون أسوأ؟!".
هناك ماكينة دبلوماسية وعسكرية وإعلامية تعمل بصورة مكثّفة عالمياً للتخويف من "ما بعد الأسد"، بعدما بدأ النظام يتهاوى بالرغم من كل الدعم الإيراني والروسي! اليوم المهمة "رقم 1" للعالم الغربي في سورية هي إنقاذ الأسد. هذا هو الواقع، وهذه هي المؤامرة الحقيقية ضد الشعب السوري، بذريعة "داعش" و"النصرة"، فيما يتناسى أو يتجاهل الجميع، كما ذكر فالس، أنّ "داعش" هو نتيجة موضوعية ومنطقية لسياسات الأسد ونوري المالكي والنفوذ الإيراني في المنطقة. وطالما أنّ هذه الأسباب موجودة، فإنه لو وضع العالم كله يده بيد الأسد لن تحل المشكلتان السورية (أو العراقية)، فلا بد من حلّ سياسي مُرضٍ لملايين السُنّة المهدّدين في هذه المجتمعات!
ولا يوجد حلّ مقبول لدى الأغلبية السُنّية (في سورية)، إلاّ بشرط رئيس مسبق، هو رحيل الأسد، لأنّه المسؤول الأول عما حل بهم من ويلات وكوارث، أصبحت مصدراً لاهتزاز الأمن والسلم الإقليمي والعالمي، وإحدى أهم أدوات القدرة على التجنيد والدعاية لدى "داعش"!
التدخل العسكري الروسي يحمل رسالة واضحة (كما قرأناها في البداية): لن نسمح بانهيار الأسد، حتى لو تدخلنا عسكرياً إلى مدى كبير. أما الأميركيون، فلا يملكون أي رؤية استراتيجية متكاملة، بقدر ما أنّهم محكومون بمبدأ أساسي، هو عدم التورط فيما يحدث في سورية عسكرياً، مع الاشتراك مع الروس والإيرانيين في اعتبار "داعش" الخطر الأول، ومهاجمة هذا التنظيم، من دون تقديم دعم حقيقي للمعارضة السورية الأخرى التي تقاتل الأسد!
فوق هذا وذاك، لا تقدم الإدارة الأميركية جوابا واضحا عن سؤال مطروح بقوة اليوم، وهو فيما إذا هاجم الروس فصائل المعارضة (غير المحسوبة على "داعش") بغارات جوية (بالإضافة إلى الدعم اللوجستي الهائل لجيش النظام)؛ إذ ماذا يمكن أن يكون الرد الأميركي غير كلمات خشبية لا قيمة لها على أرض الواقع؟
إذن، تصريح رئيس وزراء فرنسا يعيد ترتيب الجملة المفيدة؛ المبتدأ هو نظام مجرم، والخبر هو فوضى فيها كائن متوحش معادٍ هو "داعش"، ثم تأتي عبارة "خطأ أخلاقي" جميلة في موضعها، لكنها بديلاً من عبارات وجمل أكثر وضوحاً، وهي أنّ الموقف الأميركي والغربي "فضيحة أخلاقية" تاريخية بحق الشعب السوري المنكوب، لا تقلّ في مضمونها عن "وعد بلفور" المشؤوم!
(الغد 2015-10-02)