الإخوان وقانون الأحوال الشخصية

هناك جدل دائر يتعلق بقانون الأحوال الشخصية الجديد الذي كتبنا منذ أسبوعين مدافعين عنه ، ورافضين الهجمة "الحداثية" عليه. وفيما تأخر "الإخوان" بعض الشيء في إبداء رأيهم ، فقد جاء موقفهم لاحقا كما هو متوقع وفيا للقيم الإسلامية الساعية إلى الحفاظ على بنيان الأسرة وتماسكها بوصفها عنوان التماسك للمجتمع برمته.
ربما انطوى البيان على بعض الاتهامية فيما يتصل بالجهات التي تقف في مواجهة القانون وتسعى إلى تشويهه عبر تصويره نقيضا لحقوق المرأة ، لكن عموم البيان كان توضيحا للأسس التي تدفع نحو تثمينه بشكل عام.
هذا الأمر حظي بالكثير من النقد ، وشخصيا أتمنى أن تكون بيانات الجماعة أكثر دقة في توصيفاتها ، وأن يُقرأ نصها عدة مرات حتى لا يترك المجال لمن يحبون الصيد في الماء العكر من جهة ، وحتى يكون الموقف أكثر دقة ووضوحا من جهة أخرى.
والحق أنني أتفق مع بعض الزملاء في أن من غير الإنصاف وضع جميع من انتقدوا القانون في سلة واحدة ، لكن ذلك لا يمنع من القول إن كثيرا من الجهات المشتغلة بقضايا المرأة وحقوقها وعموم قضايا الأسرة ، والتي هاجمت القانون ، هي من مؤسسات العون الأجنبي التي لا يمكن الوثوق بمنطلقاتها. وعندما نجد في فلسطين والأردن وسواه عشرات من تلك "الدكاكين" ، فإن الأمر لا يمكن أن يكون بريئا بحال. ويكون الأمر أكثر سوءًا عندما تستقوي بعض تلك المؤسسات بدولها وبالمنظومة الغربية من أجل فرض برامجها على مجتمعاتنا.
إن وصف بعض تلك الجهات بالمشبوهة كما ورد في بيان الإخوان لم يبتعد كثيرا عن الحقيقة ، وقد كان مثيرا أن بعض المحتجين على هذه اللغة هم أنفسهم الذين كانوا ولا يزالون يمارسون التخوين السياسي مع الإخوان عبر الحديث عن أجنداتهم الخارجية ، ومن يرجع إلى أرشيف الصحف سيجد الكثير من هذا السخف الذي يلبس ثوب الوطنية والدفاع عن مصالح البلاد والعباد.
من حق البعض أن يبدي رأيه بالطريقة التي يشاء ، ومن حق الإخوان أن يبدو رأيهم في قضية بهذا المستوى من الأهمية والحساسية ، وإذا كان تأثيرهم في المسار السياسي محدودا ، فإن أضعف الإيمان هو الدفاع عن قيم المجتمع وتماسكه الاجتماعي.
وعموما ، فإن الناس ليست من السذاجة بحيث لا تفرق بين من له رأي معتبر ، ومن يفعل ذلك وفق نظرية المثل الشهير "من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد" ، وذلك في سياق الحديث عن مؤسسات وجدت لخدمة برنامج معين ومن الطبيعي أن تكون وفية له ولمن يوفرون لها التمويل.
لن نعيد ما قلناه سابقا ، لكن لا بأس من التذكير بأن تزويج البنت في سن الخامسة عشرة (البند الأكثر إثارة للجدل) ليس أمرا شائعا ، والقانون اعتبره استثناءً يمنح حق الموافقة عليه للقاضي ، لكن منعه ليس من الحكمة في شيء لأن ظروفا معينة تجعله معقولا وجيدا ، بل واجبا في حالات معينة. أما مسألة الخلع فلم تلغ إلا بالطريقة التي وجد فيها أهل العلم والرأي بعض المفاسد من جهة ، وهضما لحقوق المرأة بتنازلها عن سائر حقوقها من جهة أخرى ، حيث جرى توفير مسار آخر لإنهاء الحياة الزوجية يصلح لجميع النساء المتضررات من استمرار الحياة الزوجية ، وليس الموسرات منهن فقط.
بقي القول إن إنكار وجود مؤامرة على قيمنا ومنظومتنا الدينية والأخلاقية ليس من العقل في شيء ، لا سيما أن أدوات تلك المؤامرة واضحة ، مع العلم أن ذلك جزء لا يتجزأ من لعبة الاستهداف الرامية إلى إبقائنا أمة تابعة ذليلة إلى يوم الدين.
الدستور