إعادة تعريف مصادر التهديد

توجد عدة مستويات محلية لإدراك مصادر التهديد بأبعادها الأمنية والسياسية والاجتماعية، أهمها الإدراك الرسمي للدولة الذي تمثله مؤسسات السيادة وصنع القرار، ثم إدراك النخب المهتمة الموجودة عادة على أطراف الدولة من قادة رأي وخبراء وأغلبهم تخرجوا من مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
كما يوجد إدراك النخب المدنية المستقلة التي تمثل تيارات ومدارس فكرية متعددة إلى جانب إدراك المعارضة السياسية، وأخيراً إدراك المجتمع أو عامة الناس وتصورهم لمصادر التهديد.
عملية الإدراك السياسي لمصادر التهديد ترتبط بثلاثة أبعاد أساسية؛ الأول البعد الحسي المتمثل بالإحساس الواقعي بوجود مصادر تهديد من خلال الوقائع الماثلة على الأرض من مصادر تقليدية مستمرة أو أخرى كامنة أو مصادر طارئة وجديدة، وثانياً البعد المعرفي ويرتبط بالمؤشرات والأدلة والنماذج النظرية وخبرات الآخرين، ثم البعد المستقبلي الذي يعتمد القدرة على الاستشراف لمسارات الأحداث الراهنة والقدرة على القراءة المستقبلية الدقيقة للوقائع الراهنة، والاستفادة من الخبرات السابقة في مراقبة سلوك مصادر التهديد واتجاهاتها.
الدرس الأول الذي نتعلمه من الخبرة الأردنية في إدراك مصادر التهديد الداخلية والخارجية يبدو في السمة العامة لإدراك المؤسسة الرسمية، وهي الغموض أو ما قد يسمى "الغموض الإيجابي" في بعض الأحيان. أهم ملامح هذا الغموض أنه شكل على مدى سنوات مضت الوسيلة التي تستطيع من خلالها الدولة حماية مصالحها والتكيف الإيجابي مع بيئة إقليمية ودولية هشة مملوءة بالمفاجآت ومصادر التهديد العابرة للحدود المتوقعة وغير المتوقعة وعلى رأسها التهديد الاستراتيجي الإسرائيلي وتداعياته الأمنية والسياسية الديمغرافية.
لقد خدم هذه التقدير الاستراتيجي الذي اتبع نظرية الغموض حاجات الدولة والمجتمع إلى منتصف التسعينيات، فيما أخذ يطرح هذا التقدير في بعض ملامحه تحديات جديدة وبالتحديد في علاقة الداخل بالخارج وعلاقات الخارج بالداخل. وما المناقشات الوطنية الحادة التي تبرز بين وقت وآخر بين أطراف المجتمع وفئاته ونخبه إلا واحدة من التعبيرات الدالة على نوع من الفراغ في تعريف مصادر التهديد نتيجة الإسراف في استخدام نظرية الغموض.
مصادر القلق الأردني تأخذ مناحي جديدة هذه المرة، مع ازدياد شعور النخبة بحدة ردود فعل القواعد الاجتماعية المحتملة، وحذرها الكبير حيال هذه التحدي، مقابل ازدياد شعور النخبة ذاتها بأن التطورات قد تدفع بالأردن كي يكون وحيدا في مواجهة ما يأتي من الخارج.
في المقابل وفي الوقت الذي يزداد فيه الشعور بأهمية حماية الإنجازات يزداد الشعور بمدى الحاجة إلى إصلاحات جذرية تحسم الجدل الوطني لصالح مشروع التحديث.
يفترض نظريا وعمليا أن الأردن يحتاج مراجعة استراتيجية لمواجهة خيارات المستقبل القريب، وهذه المراجعة تحتاج حضور روح الدولة الواثقة من الذات والمستقبل.
الأردن أكثر دول المنطقة حيوية، وأكثر دولة قابلة للحياة في الإقليم، وهي في الوقت نفسه أكثر دولة تقع في عين العاصفة، وهي من أكثر الدول عرضة للتهديد والأخطار والتحديات.ؤ