ثرثرة في مطار اسطنبول
في الدقائق التي تسبق صعود الطائرة التركية المتجهة من اسطنبول إلى عمان، لا يخفي شاب أردني وعائلته الصغيرة إعجابهما بالمناطق التي أقاموا فيها خلال إجازة استمرت أسبوعين في ماسين؛ يتحدثون عن جمال الطبيعة، وحسن تدبير الإنسان وبراعة الدولة في تشكيل منتجات سياحية لا ينافسها كثيرون في المنطقة، وربما في العالم.
سألت الشاب الذي يعمل محاسبا، وترافقه زوجته وابنه ذو الخمسة أعوام: ما الذي وجدته في تركيا ولم تجده في الأردن كي تقضي أسبوعين خارج البلاد؟ فاجاب سريعا: إنهم يقدمون للسائح الأجنبي منتجا متكاملا يشمل كل التفاصيل؛ فالتنقل والإقامة وزيارة المناطق السياحية والتاريخية وقضاء أوقات ممتعة في الليل والنهار لكل الفئات العمرية، ينفذها متخصصون في السياحة، فتبدو العملية متقنة من ألفها إلى يائها.
استمر الحديث واتسعت أسئلة المقارنة بين واقع السياحة في الأردن ونظيره في تركيا، مع الأخذ بعين الاعتبار فروقات الحجم والموقع بين الدولتين. واستقطبت حماسة هذا الشاب في الحديث مسافرين آخرين، ذهبوا جميعا إلى المقارنات ذاتها، لكنهم انتهوا إلى أن كلفة السياحة عالية في بلادنا، وتتصاعد فيها الأسعار من دون ضوابط أو معايير. ويقول الشاب الذي استرسل في إعجابه بما سماه سحر تركيا: تستطيع أن تقيم وتتنقل أنت وعائلتك، وتمضي يوما جميلا ضمن مناطق سياحية عديدة، بمئة دولار فقط في اليوم. وهذا الأمر ليس موجودا في الأردن. فالفنادق التي تسيطر على الشاطئ الشرقي للبحر الميت تطلب للمبيت فقط أربعة أضعاف ذاك المبلغ لمثل عائلة هذا المحاسب.
المفاجأة كبيرة عندما تحدث عدد أكبر في الملف ذاته وبحماسة شديدة؛ فذاك يعرف منطقة بورصة أكثر من معرفته بأعمدة جرش وتاريخها الروماني العريق. وثان يتغزل بمدينة أضنا البعيدة، ولا معلومات لديه عن حضارة الأنباط وعجائب أجدادنا العرب في هندسة الأقنية وأنظمة الري، وهكذا.
في التفاصيل، يظهر للسائحين والمهتمين بالشأن السياحي في المنطقة، نجاح النموذج التركي من خلال بوابة الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص هناك. وهي الشراكة التي تعمل على تسويق كل منطقة ومدينة في تركيا باعتبارها منتجا سياحيا كاملا، لا نقص فيه. فالطائرات تسير بانتظام كبير، بأسعار تذاكر منخفضة نسبيا. ومثلها القطارات والحافلات. أما الفنادق، فتعمل على مدار الساعة باشغال فندقي هو الأعلى في الشرق الأوسط، من دون أن تشهد أسعارها زيادات جنونية أو مبالغات لا طائل منها. فيما تسعى شركات تنشط في السياحة، إلى جذب أكبر عدد ممكن من السياح بطرق ذكية وبأسعار زهيدة، بعد أن أعدت الحكومة في العقدين الأخيرين بنية تحتية قادرة على حمل أعباء السياحة والنهوض بها. إنها جوقة متكاملة، تعزف على وتر واحد، والهدف جعل السياحة نشاطا اقتصاديا يعيش من خيرها أكثر من نصف السكان.
بقي في الذهن: كيف يمكن أن نقدم منتجا سياحيا في البترا؛ إحدى أعاجيب الدنيا، وأبناء المنطقة هناك أعلنوا إفلاسا جماعيا على مدار الأشهر الماضية، بعد خديعة البيع الآجل؟.
(الغد 2015-10-10)