أوهام النجاة!!

ما كان مجرد تمنيات ورهانات عاطفية بالنسبة لاسرائيل على امتداد ستة عقود أصبح الآن واقعا راسخا ، وقناعات تبنى في ضوئها استراتيجيات وبرامج ، منها ما هو عاجل ومنها ما هو طويل الأمد ، فهي تدرك الآن وبعد عدة اختبارات بالونية وأخرى ميدانية أن ردود الأفعال على كل ما تقترف لا تتجاوز الشجب الكلامي أو نوبة غضب عابرة سرعان ما تعود بعدها الأمة بأسرها وأسراها معا الى ليلها الطويل..
ولا تحلم أية دولة أو حتى امبراطورية بأكثر من أن تعرف بالتفاصيل منسوب رد الفعل لدى أعدائها ، لهذا يبشر مربع بطول السلامة سواء كان هذا المربع شارون أو بيغن أو باراك أو أي جنرال آخر من السلالة ذاتها ، لهذا أصبحت نظرية بافلوف في علم النفس قابلة للتهجير الى عالم السياسة ، وان كان رنين الأجراس في السياسة لا يقترن على الاطلاق بأي طعام ، لكنه يسيل اللعاب حتى تقرح المعدة والأحشاء،
كيف يمكن لأية قوة أن تراجع نفسها وحساباتها وتغير من مواقفها اذا كانت لديها القناعة الكاملة بأن ما تفعله سوف يمر ، وليس مهما أن يكون هذا المرور للكرام أو غير الكرام ، اذ يكفي في النهاية أن يمر دون عقاب أو حتى مساءلة جدية.
وأغرب ما في المسألة كلها سواء تعلقت بالصراع العربي - الاسرائيلي أو علاقات اسرائيل بالعالم ، هو أن الموازين كلها تتوقف عندما يصل الدور الى اسرائيل ، حيث تنعم بعدة استثناءات دفعة واحدة في مقدمتها بالطبع الاستثناء النووي الذي حولها الى لغم موقوت في المنطقة ، ونامت ملء جفونها عن كل ما يقال في مؤتمرات الحد من التسلح النووي.
ولأول وهلة يبدو العرب كما لو أنهم عزل تماما من أية أوراق أو احتياطيات استراتيجية ، للضغط على أولي الأمر في هذا الصراع ، فهل بددوا بالفعل كل امكاناتهم وأصبحوا بلا حول أو قوة؟ أم أن هناك وراء الأكمات ما لا تبصره العين المجردة؟
واقع الحال يجزم بأن الامكانات العربية معطلة وتتم مصادرتها وبالتالي اجهاض ما يظهر على السطح منها ، وهي في حاصل جمعها قوة لا نظير لها ، بشريا وماديا وجيوسياسيا.
الحقيقة إذن هي ايقاف هذه الشعوب عن النمو ، وتجبيس العقول والأقدام معا ، بحيث تبقى لألف عام أخرى تراوح على طريقة النوافير.. أو على طريقة محلك سر،
ورغم كل ما يقترن بالحراك السياسي العربي خصوصا في بعده الشعبي إلا أن الحصيلة لا تزال دون الحد الأدنى.. فالأنهار سواء كانت من دم أو ماء لا بد أن يكون لها مصب وبدونه تتلاشى في الطريق ، ورغم كل ما يقال عن عصر التواصل والاتصال فإن العرب ينفردون الآن بنوع عجيب من القطيعة القومية ، إذ تستغرقهم الشجون المحلية ، ويتصورون أن بامكان كل فرد أو جماعة منهم أن تكتفي داخل شرنقتها وبالتالي تحقق النجاة ، رغم أن هناك سلسلة من التجارب مرّ بها عرب نهايات القرن العشرين برهنت لهم على أن مثل هذه النجاة مستحيلة وأن من لم يصله الدور في الطابور هو على موعد محتم مع سكين آخر،،
الدستور