"ضيفٌ" ثقيلُ الظلِّ، غيرُ مَرْغوبٍ به!

التسريبات شبه الرسمية والإعلامية، التي تتحدّث عن عدم ترحيب عمان بزيارة نتنياهو في الوقت الحالي، تُعزّز رصيد الدبلوماسية الأردنية التي باتت اللاعب السياسي العربي الأول في مواجهة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
المستفيد الأول من مثل هذه الزيارة سيكون فقط بنيامين نتنياهو. فذلك بمثابة رسالة سياسية إلى الرأي العام الإسرائيلي بأنّ كل ما يثار عن أزمته مع إدارة أوباما والدول العربية قد انتهى، وهو في موقف أقوى دوليا وإقليميا وداخليا، طالما أنه يمكن استقباله في العواصم العربية، بلا مشكلات أو تحفظات.
استقبال نتنياهو في عمّان سيحمّلنا كُلفة سياسية ثقيلة، أمام الرأي العام العربي والمحلي والفلسطيني، في ظل الظروف السياسية الحالية التي تمرّ بها المنطقة، وتعنّت الحكومة الإسرائيلية، واستمرار مشروع الاستيطان وتهويد القدس..
بلا شك، كانت الزيارة ستُؤوّل وتحمّل دلالات كبيرة، وسوف يستثمرها المسؤولون الإسرائيليون بتسريب أخبار ومعلومات للإعلام والصحف العبرية، كما صنعوا سابقا، وكانت النتيجة أنّ الرواية الإعلامية والسياسية الإسرائيلية هي التي سادت في وكالات الأنباء وأصبحت مصدّقة لدى الجماهير، ولم تفلح، حينها، كل محاولات نفي تلك الروايات وتكذيبها.
قبل عمّان، كان نتنياهو في شرم الشيخ، ولم يكن اللقاء مبرّراً، حتى سياسيا، فمن استفاد منه، حصريّا، هو نتنياهو، ومن ثمّ خرج مسؤولون إسرائيليون بتصريحات أحرجت الجانب المصري كثيرا.
"مطبخ القرار" في عمّان تجنّب، بذكاء وإصرار، استقبال نتنياهو حاليا في عمّان، على الرغم من الضغوط الدبلوماسية، والوساطات الخارجية الرسمية وغير الرسمية، وكان الردّ واضحاً بـ"أننا لسنا على استعداد لاستقبال نتنياهو، إلا عندما تتحرك التسوية بخطى ثابتة باتجاه إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وليس الوقت مناسبا حاليا لأي زيارة بروتوكولية".
عدم استقبال عمّان لنتنياهو يكسر "الصورة النمطية" السلبية التي أرادت تكريسها وسائل إعلام عربية عن الأردن وعلاقته بإسرائيل، ويؤكّد الصورة المعاكسة لذلك تماما، بأنّ الأردن هو الشريك الأول والرئيس، وربما الوحيد، في المعاناة الفلسطينية.
نعم، هنالك كلفة سياسية ستتحمّلها عمّان لهذه المواقف السياسية والدبلوماسية المتشدّدة تجاه إسرائيل، في سياق غياب الحضور العربي الفاعل، على الأقل في مواجهة النفوذ الصهيوني، والدعاية المضادة، ومحاولات تفريغ السموم الإسرائيلية في الجبهة الداخلية، والعمل على زعزعة الأمن الوطني الأردني.
ذلك كلّه، لا يمثل لدى "مطبخ القرار" سوى ثمن بسيط لما يمكن أن يدفعه الأردنيون والفلسطينيون معا في حال استمر نتنياهو في حله أحادي الجانب، الذي يؤدّي لاحقا إلى اغتيال أي مشروع سياسي لدولة فلسطينية ويحوّلها إلى كانتونات مكتظة بالسكان، معزولة، طاردة للبشر، محاطة بالجدار العازل.
"اللحظة الراهنة" تقتضي من المؤسسات الرسمية المعنية والحزبية والقوى السياسية إدراك أهمية المعركة السياسية والإعلامية الحالية مع إسرائيل، وتقوية الجبهة الداخلية، لا إضعافها واستنزافها بمعارك داخلية جانبية، وبلغة مأزومة وهشّة.