البخيت والرفاعي وقصة الحقد أساس الحكم

يسجل للحكومات الأردنية المتعاقبة خلال العقد المنصرم أنها كانت الأكثر اهتماماً بالتضييق على الصحافة والحريات بشكل عام، وذلك مقارنة مع حكومات سبقتها وكانت أقل حدة في التضييق على الإعلام، وأكثر انفتاحاً عليه في عديد من المناسبات، ومن هذه ما كانت قبل عام 1989، أي أيام الأحكام العرفية.
ويسجل لحكومات العقد المنصرم أن أحد رؤساء الوزراء قد صنف كواحد من أكثر عشر شخصيات عدوة للصحافة على مستوى العالم، ويكاد لا يخلو تقرير دولي في مجال الحريات الصحفية من إدراج الأردن فيه على أساس أنها من الدولة المعادية للحريات الصحفية بشكل عام.
لقد تفننت وأبدعت حكومات العقد الأخير في التضييق وخنق الصحافة الحرة والمستقلة، مثل تلك التي منعت بث وكالة بترا عن صحيفة العرب اليوم، وتلك التي بعدها وأغرقت المحاكم بقضايا مطبوعات ضد الصحف ورؤساء التحرير والصحفيين, وأخرى تمادت في الإغداق على أساس الاحتواء الناعم للبعض إلى جانب المنع والحرمان والتوقيف والإبعاد للآخرين، وحتى التي استمرأت التعديل والتبديل بقوانين المطبوعات والنشر. غير أن كل هذه الموبقات وغيرها تظل مقارنة مع ما اقترفته حكومة معروف البخيت، والحكومة الحالية برئاسة سمير الرفاعي أرحم بكثير، وذلك لأنها كلها مجتمعة لم تصل إلى درجة ممارسة الإعدام بحق الصحافة كما فعلت حكومة البخيت وتفعل الآن حكومة الرفاعي.
في غفلة ومن دون إنذار فاجأت حكومة معروف البخيت الوسط الصحفي بفرض ضريبة مبيعات على الصحف بأثر رجعي، واعتمدت دوائر الضريبة التقدير من خلال المداهمات، والحصول على وثائق غير صحيحة ومعدومة الدقة، أفضت إلى فرض عشرات الألوف من الدنانير على تلك الصحف، وهو الأمر الذي عطل العمل الصحفي، من خلال إغراق الصحفيين بهموم مالية تفوق قدراتهم وحقيقة دخولهم عشرات الأضعاف، وبدل الالتفات للصحافة والمهنية فيها فقد انحرف الجميع في حرب لمواجهة قرار الحكومة الذي وصفته كافة الأوساط بأنه ظالم، ومقصود منه قتل الصحافة، وتحديداً منها الأسبوعية.
وخلال فترة حكومة نادر الذهبي صدر قرار مجلس وزراء ألغى ضريبة المبيعات عن الصحف الأسبوعية التي فرضتها حكومة البخيت، غير أن ذيول القرار ما زالت تلاحق الصحف الأسبوعية حتى الآن، وهي أمور ظالمة برمتها.
ولم تكد الصحف الأسبوعية أن تستعيد أنفاسها وتنطلق مجدداً لعملها ومهامها على أمل العودة للتوازن في العمل وقرارات حكومة نادر الذهبي حيالها، حتى أعادت حكومة سمير الرفاعي الأمور إلى مربع بداية جديد، وكان هذه المرة قاتلاً ومدمراً، وذلك عبر ما أطلقت عليه مدونة السلوك.
وهذه المدونة جاء فيها شيء وحيد مقصود لذاته، وهو وقف الاشتراكات في الصحف، الأمر الذي نال من الدخل الأساسي الهام للصحف الأسبوعية وجعلها وسط معاناة مالية، أفضت حتى الآن إلى حالة من عدم التوازن والترهل والانكفاء والمعاناة، وأنواع أخرى من شتى المصاعب، أوصلتها إلى عدم الصدور المنتظم، وحتى التوقف عنه نهائياً.
لقد أطلقت حكومة البخيت الرصاصة الأولى على الصحافة الأسبوعية في حين أطلقت حكومة سمير الرفاعي باقي الرصاصات، إلى جانب قنبلة تكاد تصل قوتها بعد خمسة أشهر من بداية العام الحالي لتكون على مستوى قنبلتي ناكازاكي وهيروشيما من حيث نيلها من الصحافة الأسبوعية.
في مجمل الأحوال.. فإن الذي دفع لإطلاق الرصاصة الأولى، هو نفسه الذي دفع لإلقاء القنبلة على الصحافة الأسبوعية، والأمر على جلائه يؤكد أن الحقد هو أساس الحكم وليس العدل أبداً.
السبيل