فقهاء اليوم الثامن في الاسبوع

لا يقابل مصطلح فلاسفة يوم الاحد في الثقافة الاوروبية الا فقهاء اليوم الثامن في الاسبوع العربي ، فهم يعيشون ويموتون خارج التاريخ وهم ليسوا هنا في عالمنا كما انهم ليسوا هناك في اي عصر من عصور التاريخ ، يتحدثون عن الحرب كما لو انها مباراة كرة قدم وعن السلام كما لو انه حفلة تنكرية يصلح فيها السيف لتشطير الكعك كما تصلح خيوط الحرير في شالات النساء للشنق لانها لا تنقطع.
منذ قرن على الاقل وفقهاء اليوم الثامن في الاسبوع العربي الطويل يرددون العبارات المستعملة ذاتها ، فاللحظة حرجة والمنعطف خطير والازمة موشكة على الانفجار لا الانفراج.
عرفناهم خبراء في استراتيجيات الحروب والصراعات فكانوا اخصائيين في فقه الهزيمة ، لكنهم لم يعتذروا يوما عن اي تصور خاطئ ضلل الناس وكانت حروب الخليج الثلاث وهي ما كان يسمى في جاهليتنا الاثافي الثلاث التي يغلي عليها قدر مليء بالماء والحصى لخداع الاطفال الجياع ، هي المجالات الحيوية بامتياز لتجريب تلك الاوسمة والنياشين لكنها رسبت تباعا في الاختبارات المتعاقبة.
لم يقرأ فقهاء اليوم الثامن في الاسبوع العربي ما قاله شاعرهم ممن لا يملك الخيل او المال ولا يملك ايضا ما يسعد الناس من القول لانه شحيح في كل شيء ولو استطاع لتنفس من منخر واحد كما قال فيلسوف الهجاء ، لا يكلّون ولا يتقاعدون وما من عطلة لهم في هذا الاسبوع المزمن الذي امتد اكثر من اربعين عاما ، انه احيانا اليوم السابع في حرب الايام الستة واحيانا الضلع الثامن في شجب الاسطورة الصهيونية.
هم فقهاء لكل العصور ، في السراء يبكون وفي الضراء يقهقهون ، وما ان تدق الطبول حتى يسخنهم الطرب ليكتشفوا بعد فوات الاوان ان رقصهم هو كرقص الذبيح من فرط الالم،.
لم يحدث من قبل ان كانت الكتابة منزوعة الدسم والشغف كما هي الان ، حيث لا فرق احيانا بين السطور السوداء واسراب النمل ، ما دامت البورصة قد شملت هذه المهنة باسهمها ورعايتها الحاسوبية ، ولان لكل حبر رائحة يحزرها الانف ، فان ثمة رائحة حامضة تزكم القلب قبل الانف ترشح من فواتير موقعة ومؤجلة الدفع كي تتنامى نسبة الربا السياسي ويكون الكسب اعظم.
من يتطوع مشكورا ويقسر لنا كيف استدار البعض مئة وثمانين درجة خلال اقل من يوم واحد ليكونوا في خندق مقابل للذي كانوا فيه بالامس عندما كان العلف يغمرهم ويفيض؟. ومن يعيننا على تفسير التحول المفاجئ من يمين الى يسار او العكس شرط ان لا يتذكر ما قاله الديكتاتور ذات يوم وهو ان اليمين فردة حذائه الايمن واليسار توأمها،.
ما كان للهاوية ان تتسع وتبتلع كل هذا الذي انتقدناه لولا ان الامر جلل والخجل استؤصل من غدته السرية تماما كما تحولت قناة الدمع الى حالب ثالث،.
كم تبقى منا على قيد آدميته وهويته وذاكرته بعد ان تفشت الاوبئة الثلاثة وتحالفت بدءا من الايدز السياسي مرورا بالزهايمر التاريخي وانتهاء بانفلونزا العولمة؟.
فقهاء اليوم الثامن من اسبوعنا العربي الاطول من قرن ، يصرون على امتصاص النخاع بعد ان اتوا على اللحم والجلد والعظم،،.
الدستور