تورّم الذات في المشروع الإسلامي

عندما يشتغل الإسلاميون في السياسة فهم لا يختلفون عن أي تيار دنيوي آخر؛ يخطئون ويصيبون، يخفقون وينجحون، وليسوا محصنين من العلل التي تصيب العامة من جنون البقر إلى جنون العظمة. الفرق بينهم وبين غيرهم أن محاسبتهم أشد، إذ تستخدم فيها معايير إضافية من خلال قيم الدين التي يفترض بمن يؤمن بها أن يكون أرقى من حيث السوية الأخلاقية، لأنه يريد المطامح الآجلة عند الله لا العاجلة عند عباد الله.
في أفغانستان قصف ابن الحركة الإسلامية حكمتيار كابول بصواريخ لم يقصفها بمثلها السوفييت الغزاة، لأن ابن الحركة الإسلامية أحمد شاه مسعود دخلها قبله، وهما في حينها جسدا انقسام الحركة الإسلامية بجناحيها البشتوني والطاجيكي، وفي السودان وضع البشير شيخه حسن الترابي في السجن بضع سنين لأنه حاول أن يجري تداولا للسلطة ولو في إطار الحركة الإسلامية.
في المقابل شكلت تركيا تطورا فريدا، فالشباب الذين انقلبوا على شيخهم أربكان، قدموا نموذجا في تداول السلطة، وشهدنا كيف سلَم عبدالله غول السلطة لأردوغان عقب عودته إلى العمل السياسي.
وفي الأردن خلال السنوات الذهبية للتحول الديمقراطي (1989 إلى 1993) شهدنا نماذج رفيعة في التعفف عن مغانم الوزارة، وربما كانت من نوادر التاريخ أن يعطي حزب الثقة لحكومة على برنامجها من دون أن يشارك فيها.
اليوم تشهد الحركة الإسلامية مأساة لا تنعكس على أنصارها ومحبيها بقدر ما تضرب سوق السياسة الكاسد والمنهار ابتداء. فتورّم الذات جعل مصلحة فرد أو أفراد مقدمة على المشروع الإسلامي بعامة، وهذه أزمة قيم تعبر عن أنانية غير معهودة في الحركة الإسلامية.
تحتاج الحركة الإسلامية إلى تقديم أدنى درجات التضحية لتحافظ على العمل السياسي في البلاد، تماما كما تحافظ على مشروعها. ولتقف وقفة صدق مع نفسها، ماذا جنت بعد حل مجلس الشورى والإطاحة بالمراقب العام السابق؟ أين الصقورية والمواقف الصلبة التي وعدت بها القواعد؟ دخلت الحركة في غيبوبة، ولم نشهد تحركا في أي ملف، وخصوصا ملف جمعية المركز الإسلامي، ولم نسمع صوتا في أي قضية عامة (آخرها بيان المتقاعدين العسكريين!)
يُتهم همام سعيد بأنه متشدد من أطراف رسمية وداخل الحركة الإسلامية، وخلال الفترة الماضية بدا أنه يحاول إثبات العكس، وهو ما قد يتكرر مع زكي بني ارشيد "منزوع الدسم" حسب نبوءة، بسام بدارين، في القدس العربي من خلال "نسخة جديدة من الشيخ الإشكالي".
وتتساءل الصحيفة إن كانت الحكومة ستقبل بهذه النسخة؟ ليس مهما موقف الحكومة وهي لن تغير الخط العام المتبع منذ العام 1993. المهم هو موقف أنصار الحركة الذين سيجدون في جماعات التشدد تعبيرا عن سخطهم، وتجسيدا لقيم الدين في عدم التكالب على جيفة السلطة.