«وحدة وطنية» تحت «الفصل السابع»

تم نشره الثلاثاء 11 أيّار / مايو 2010 05:28 صباحاً
«وحدة وطنية» تحت «الفصل السابع»
عريب الرنتاوي

نقصد بالفصل السابع هو ذاك الفصل من "الميثاق الوطني الأردني" الذي نظم العلاقة الأردنية الفلسطينية ، ولمّا يك حبر "قرار فك الارتباط" بين الضفتين قد جفّ بعد ، ذاك الفصل الذي استحضره الأستاذ أحمد عبيدات في مقاله وبيانه الأخيرين ، كقاعدة لإعادة بناء الوحدة الوطنية ، وأساس لتجاوز مظاهر التشظي والاستقطاب والعنف والتوتر المجتمعي التي نعيشها ونعايشها ، وتتهدد بأخذنا جميعا إلى "مطارح" لا نرغب في أن نصل إليها أبدا ، وأرى أن استحضار "الفصل السابع" من الميثاق يبدو أمرا منطقيا ويأخذ صفة "الجرعة العاجلة" لوقف التدهور ، كما أرى أن الدعوة لتطوير الميثاق عموما وإعادة الاعتبار إليه ، تبدو في مكانها هي الأخرى.

ذات صيف (العام 2000 على ما أظن) ، استجاب نفر قليل من الشخصيات الوطنية الأردنية ، من شتى المنابت والأصول ، لدعوة كريمة وجهها طيب الذكر ، الدكتور كامل أبو جابر بصفته رئيسا للمعهد الدبلوماسي في ذاك الوقت ، للبحث في واقع "العلاقات الأردنية- الفلسطينية في بعدها الداخلي" ، والخروج بأفكار وتوصيات ، قيل أنها ستوضع في عهدة الملك الشاب وهو في مفتتح العشرية الأولى من ولايته الدستورية ، وأذكر يومها أن النقاش برد وسخن ، صعد وهوى ، احتد وسَلسل ، إلى أن انتهينا من جملة توصيات ، لو أُخذ بها في حينه (قبل عشر سنوات) لكنّا اليوم في غير هذا الموقع ، ولكانت أجندة الحوار الوطني والسجال الاجتماعي تختلف تماما عمّا هي عليه اليوم.

لن أتحدث عن الهوية الفلسطينية كهوية سياسية نضالية ، ولا عن الهوية الوطنية الأردنية كنقيض للمشروع الصهيوني ، ولا عن الأردن وفلسطين "كحالة عربية واحدة" ، فقد كفانا الميثاق عناء ذلك قبل عقدين من الزمان ، كما أنني لن أدخل في بحث عميق عن الأسباب التي أوصلتنا لما نحن فيه وعليه ، وحرصا على صب "ماء بارد" بدل "الزيت الحار" على جمر التوتر والاحتقان ، وسأكتفي بالدعوة لإعادة بناء الوحدة الوطنية بين الأردنيين جميعا ، من القاعدة إلى القمة ، من الأسفل إلى الأعلى ، بعيدا عن لغة المحاصصة والنسب المئوية و"مقعد بالزايد" هنا وآخر بالناقص هناك ، فليس هكذا تبنى الوحدة الوطنية ولا هكذا تستعاد.

في ظني أن الوسيلة الوحيدة لتبديد ثنائية "الأنا والآخر" تتجلى في النظر بمنتهى الاهتمام للدوائر والمؤسسات ذات الصلة بالحياة اليومية للمواطن ، والتي يجد العاملون فيها أنفسهم في تماسْ يومي مع "سائر خلق الله" ، هنا يجب أن تولى عناية فائقة ومشددة ، لقيم الوحدة والمواطنة والمشاركة ، هناك يجب أن تختبر سيرورات التعايش والاندماج ، هنا يجب أن تصبح هذه الدوائر والمؤسسات مطابخ ومخامر وأواني صهر واندماج للمواطنين ، بدءا بالموظفين أنفسهم ، فلا يكونون من لون دون آخر ، ولا تقبل منهم بحال من الأحوال ، أية حركة أو إيماء او قرار اجراء ينم عن التمييز بشقيه السلبي (الإقصاء) أو الأيجابي (المحاباة) ، هنا يتعين السهر على قيم المواطنة وثقافة سيادة القانون ومبادئ تكافؤ ، فالمواطن الذي يُخلق ويعيش ويموت من دون أن يحتك بوزير أو نائب ، يحتك يوميا ، عشرات المرات برجل السير وموظف الجمارك وكادر البلدية وشرطي المخفر ، هنا "البنية التحتية" للوحدة الوطنية ، وما عداها فينتمي للبنية الفوقية التي علّمنا كارل ماركس أنها تأتي غالبا في منزلة التابع وليس المتبوع.

ليس هذا فحسب ، بل أنني أرى أن تُقدم الحكومة على سن قانون جديد ، تحت مسمى "قانون محاربة التمييز" ، تخضع بموجبه كافة المؤسسات والسياسات والإجراءات للفحص والتظلم والتقاضي إن هي تطاولت على حقوق المواطنين لأسباب تتعلق بجنسهم أو دينهم او منابتهم وأصولهم ، تستوي في ذلك مؤسسات الدولة والقطاع العام ، بسياساتها وإجراءتها ، مع مؤسسات القطاع الخاص ومنشآته وإجراءاته وسياساته ، وبحيث يصبح متاحا محاسبة أي مؤسسة أو مسؤول تتعمد أو يتعمد التمييز بين المواطنين بناء على خلفياتهم ، وبحيث تجبر مؤسسات القطاعين العام والخاص على الإفصاح عن بيانات التوظيف والتشغيل والابتعاث والتعيين والترقية والعقاب والثواب ، إن لم يكن للملأ في بداية الأمر ، فللجهات الرقابية وديوان المظالم والمحاكم على أقل تقدير.

يجب أن تولى المدارس والجامعات عناية فائقة في هذا المضمار ، فلا تتحول إلى "ملاعب خلفية" للوحدات والفيصلي ، ولا تدار بعقلية "عصبوية" ، كما حصل مع إحدى جامعاتنا مؤخرا ، فهنا يمكن أن يعاد بناء الوحدة الوطنية وتمتينها ، وهنا قد يتشظى نسيجنا الوطني والاجتماعي إلى مزق ونتف يأكل (أو بالأحرى يحرق) بعضها بعضا ، فهل نتحرك الآن ، هل نتحرك قبل فوات الأوان.

 
الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات