«وحدة وطنية» تحت «الفصل السابع»

نقصد بالفصل السابع هو ذاك الفصل من "الميثاق الوطني الأردني" الذي نظم العلاقة الأردنية الفلسطينية ، ولمّا يك حبر "قرار فك الارتباط" بين الضفتين قد جفّ بعد ، ذاك الفصل الذي استحضره الأستاذ أحمد عبيدات في مقاله وبيانه الأخيرين ، كقاعدة لإعادة بناء الوحدة الوطنية ، وأساس لتجاوز مظاهر التشظي والاستقطاب والعنف والتوتر المجتمعي التي نعيشها ونعايشها ، وتتهدد بأخذنا جميعا إلى "مطارح" لا نرغب في أن نصل إليها أبدا ، وأرى أن استحضار "الفصل السابع" من الميثاق يبدو أمرا منطقيا ويأخذ صفة "الجرعة العاجلة" لوقف التدهور ، كما أرى أن الدعوة لتطوير الميثاق عموما وإعادة الاعتبار إليه ، تبدو في مكانها هي الأخرى.
ذات صيف (العام 2000 على ما أظن) ، استجاب نفر قليل من الشخصيات الوطنية الأردنية ، من شتى المنابت والأصول ، لدعوة كريمة وجهها طيب الذكر ، الدكتور كامل أبو جابر بصفته رئيسا للمعهد الدبلوماسي في ذاك الوقت ، للبحث في واقع "العلاقات الأردنية- الفلسطينية في بعدها الداخلي" ، والخروج بأفكار وتوصيات ، قيل أنها ستوضع في عهدة الملك الشاب وهو في مفتتح العشرية الأولى من ولايته الدستورية ، وأذكر يومها أن النقاش برد وسخن ، صعد وهوى ، احتد وسَلسل ، إلى أن انتهينا من جملة توصيات ، لو أُخذ بها في حينه (قبل عشر سنوات) لكنّا اليوم في غير هذا الموقع ، ولكانت أجندة الحوار الوطني والسجال الاجتماعي تختلف تماما عمّا هي عليه اليوم.
لن أتحدث عن الهوية الفلسطينية كهوية سياسية نضالية ، ولا عن الهوية الوطنية الأردنية كنقيض للمشروع الصهيوني ، ولا عن الأردن وفلسطين "كحالة عربية واحدة" ، فقد كفانا الميثاق عناء ذلك قبل عقدين من الزمان ، كما أنني لن أدخل في بحث عميق عن الأسباب التي أوصلتنا لما نحن فيه وعليه ، وحرصا على صب "ماء بارد" بدل "الزيت الحار" على جمر التوتر والاحتقان ، وسأكتفي بالدعوة لإعادة بناء الوحدة الوطنية بين الأردنيين جميعا ، من القاعدة إلى القمة ، من الأسفل إلى الأعلى ، بعيدا عن لغة المحاصصة والنسب المئوية و"مقعد بالزايد" هنا وآخر بالناقص هناك ، فليس هكذا تبنى الوحدة الوطنية ولا هكذا تستعاد.
في ظني أن الوسيلة الوحيدة لتبديد ثنائية "الأنا والآخر" تتجلى في النظر بمنتهى الاهتمام للدوائر والمؤسسات ذات الصلة بالحياة اليومية للمواطن ، والتي يجد العاملون فيها أنفسهم في تماسْ يومي مع "سائر خلق الله" ، هنا يجب أن تولى عناية فائقة ومشددة ، لقيم الوحدة والمواطنة والمشاركة ، هناك يجب أن تختبر سيرورات التعايش والاندماج ، هنا يجب أن تصبح هذه الدوائر والمؤسسات مطابخ ومخامر وأواني صهر واندماج للمواطنين ، بدءا بالموظفين أنفسهم ، فلا يكونون من لون دون آخر ، ولا تقبل منهم بحال من الأحوال ، أية حركة أو إيماء او قرار اجراء ينم عن التمييز بشقيه السلبي (الإقصاء) أو الأيجابي (المحاباة) ، هنا يتعين السهر على قيم المواطنة وثقافة سيادة القانون ومبادئ تكافؤ ، فالمواطن الذي يُخلق ويعيش ويموت من دون أن يحتك بوزير أو نائب ، يحتك يوميا ، عشرات المرات برجل السير وموظف الجمارك وكادر البلدية وشرطي المخفر ، هنا "البنية التحتية" للوحدة الوطنية ، وما عداها فينتمي للبنية الفوقية التي علّمنا كارل ماركس أنها تأتي غالبا في منزلة التابع وليس المتبوع.
ليس هذا فحسب ، بل أنني أرى أن تُقدم الحكومة على سن قانون جديد ، تحت مسمى "قانون محاربة التمييز" ، تخضع بموجبه كافة المؤسسات والسياسات والإجراءات للفحص والتظلم والتقاضي إن هي تطاولت على حقوق المواطنين لأسباب تتعلق بجنسهم أو دينهم او منابتهم وأصولهم ، تستوي في ذلك مؤسسات الدولة والقطاع العام ، بسياساتها وإجراءتها ، مع مؤسسات القطاع الخاص ومنشآته وإجراءاته وسياساته ، وبحيث يصبح متاحا محاسبة أي مؤسسة أو مسؤول تتعمد أو يتعمد التمييز بين المواطنين بناء على خلفياتهم ، وبحيث تجبر مؤسسات القطاعين العام والخاص على الإفصاح عن بيانات التوظيف والتشغيل والابتعاث والتعيين والترقية والعقاب والثواب ، إن لم يكن للملأ في بداية الأمر ، فللجهات الرقابية وديوان المظالم والمحاكم على أقل تقدير.
يجب أن تولى المدارس والجامعات عناية فائقة في هذا المضمار ، فلا تتحول إلى "ملاعب خلفية" للوحدات والفيصلي ، ولا تدار بعقلية "عصبوية" ، كما حصل مع إحدى جامعاتنا مؤخرا ، فهنا يمكن أن يعاد بناء الوحدة الوطنية وتمتينها ، وهنا قد يتشظى نسيجنا الوطني والاجتماعي إلى مزق ونتف يأكل (أو بالأحرى يحرق) بعضها بعضا ، فهل نتحرك الآن ، هل نتحرك قبل فوات الأوان.
الدستور