كلام في مازن القاضي

خرج الفريق مازن القاضي من موقعه ، وهو امر عادي جدا ، وهذا هو حال الدنيا ، ولم يكن القاضي يتوقع ان يتم تخليده في موقعه لالف عام مقبلة.
تسييس خروج الرجل من موقعه ، امر غير مناسب ، وتحميله مسؤولية ملفات كثيرة فيه مبالغة ، فهو لم يكن مسؤولا عن المشادات الفردية والعشائرية ، وهو ايضا ، كان يدفع الكلفة لو طبق معايير الامن العام كاملة ، فيخرج عليه دعاة حقوق الانسان ، ولو خفف المعايير لاتهمه البعض بالتراخي ، وُمداراة الغاضبين ، وهو وضع شائك ، لا بد لنا من حسمه ، لان كل مسؤول لاحق سيتم اخضاعه لذات المعادلة المتقلبة ، سيتأثر سلبا وبشدة قرار شكل واسلوب ادارة اي ازمة لا ينبع من مكتب مدير الامن العام ، فهو قرار سياسي اولا واخيرا.
الفريق مازن القاضي من الشخصيات المحترمة والتي لها مكانتها العائلية والاجتماعية ، ويعز على المرء اليوم ، ان لا يسمع سوى الاراء القادحة لمرحلة مضت ، برغم ان كلنا يعرف ان الامن العام جهاز يمنع الجريمة بشكل مسبق في حالات ، ويتدخل عند وقوعها في حالات اخرى ، واذا كانت هناك اسباب لكثير من السلبيات ، فمردها الى الاداء السياسي للحكومات ، والوضع الاقتصادي ، وبسبب تقلب الوصفات التي يتم اللجوء اليها في معالجة المشاكل ، وارتداد كل هذه الاوضاع يظهر على مرآة الامن العام ، الذي تأتيه فاتورة الوضع الاجتماعي وعليه دفعها.
اشير الى حادثين اولهما اعتصام عمال المياومة قبل اسابيع امام الزراعة واغلاقهم بشكل جزئي للطريق ، وعدم مس العمال من الجهاز ، فخرج من يقول ان الامن العام يدّلل العمال ويتركهم ، ويتسبب بفوضى ، بدلا من قمع العمال ، وفي حادثة ثانية ، تم انهاء الاعتصام بالقوة ، امام وزارة الزراعة ، قبل ايام ، وخرج من يقول ان الامن العام يقمع الناس ولا يراعي حقوق العمال ، وينسى كثيرون ان الجهاز لايتحمل اي مسؤولية في الحالتين ، لانه تنفيذي.
لا ندافع عن الشخص ، فواجبه ان يخدم بلده ، والقصة تتعلق بكيفية تفسيراتنا للاشياء ، واذا كنا ندين اي ممارسة سلبية لرجل الامن العام في مراكز الامن او في قصص التعذيب او في معاملة الناس ، او الهجوم عليهم بالمخالفات ، وغير ذلك من قصص ، فاننا في ذات الوقت ندين اعتداء الناس على رجال الامن العام ، من اطلاق الرصاص عليهم ، وحرق سياراتهم ، وضربهم في حالات اخرى على يد نواب سابقين ومواطنين ، وتهديد كل رجل امن عام باسم اي متنفذ ، ويقال لرجل الامن العام في كل مكان "انت ما بتعرف مع مين بتحكي" الى اخر هذه الموشحات ، التي تثبت ان الخلل ليس في الجهاز وحده ، وانما في اسلوب تعامل الجمهور ايضا ، ولعل حرق الاكشاك الامنية ، وقتل الشرطة ، لايختلف عن اطلاق الرصاص ظلما على اي مواطن ، في حالات اخرى.
القضية متشابكة ، ولا يمكن ان نأخذها بأتجاه واحد نبني عليه الروايات.
المدير السابق ، انجز في ملفات كثيرة ، وسط ظروف شائكة ، وها هو مدير جديد قد حل في الجهاز ، وكل ما نتمناه له النجاح ، واعادة مراجعة كل الخطط ، وان لا يسمح ايضا في مرحلته ان تكون ادانة لمرحلة سابقيه ، كما يفعل مسؤولون كثيرون ، ولعل اللواء حسين هزاع المجالي بخبرته العسكرية والدبلوماسية ، وقربه الاجتماعي من الناس ، وجراء مرافقته للملك الراحل قادر على انتاج معادلة جديدة ، نحافظ فيها على هيبة الجهاز والشرطة ، دون ان يتم ذلك على حساب حقوق الناس في حياتهم ، وهي مهمة كبيرة وصعبة ، بحاجة الى اسناد مالي وسياسي ومعنوي وبشري.
لكل مؤسسة اخطاء ، والتقييم لا يخضع لاعتبارات شخصية او مزاجية او كيدية ، فلا موقع اليوم بمنأى عن تأثيرات كل الظروف التي نحن فيها ، والتي من حولنا وحوالينا.
الدستور