خبير اقتصادي: الأردن اتخذ قرارات جريئة بالإصلاحات الاقتصادية

المدينة نيوز: - قال الباحث الاقتصادي الرئيسي في مجموعة ستاندرد تشارترد، ماريوس ماراثيفتس، إن الأردن من أوائل الدول التي بدأت في تقديم الدعم الحكومي للسلع والخدمات، "لكنه اتخذ قرارات جريئة حيال ذلك ضمن برنامج للإصلاحات الاقتصادية"، في إشارة إلى إصلاح سياسة دعم السلع خصوصا المشتقات النفطية.
وأضاف في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، وشارك فيها المدير الإقليمي لبنك ستاندرد تشارترد الشرق الأوسط احمد أبو عيدة، أن إصلاح الدعم المرتفع للطاقة سيمكن الحكومات، على مستوى المنطقة ومن ضمنها دول الخليج، من تحرير الموارد المالية بتخفيف الأعباء عن النظام المالي، منوها إلى أن دعم السلع فيه تشوه كون الطبقات الغنية هي المستفيدة منه رغم انه يستهدف الطبقات الفقيرة.
وكانت المملكة قد اتبعت برنامجا للإصلاحات الاقتصادية أهم سماته إزالة الدعم عن المشتقات النفطية وتوجيه الدعم النقدي للفئات المستحقة، إلى جانب تعديل تعرفة الكهرباء وشرائح الاستهلاك، ما أدى إلى تخفيض عجز الموازنة بنسب ملموسة.
وأشار ماراثيفتس إلى أن الاقتصاد الأردني نما بنسبة 3 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي، بحسب البيانات الرسمية، حيث أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نما بنسبة 1ر3 بالمئة في 2014 انخفاضا من 5ر3 بالمئة النسبة المتوقعة للنمو، مذكرا أن الناتج في المملكة نما بمعدل 6ر6 بالمئة قبل الأزمة المالية العالمية ومنذ الفترة 2000 إلى 2008.
وتوقع أن ينمو الاقتصاد الأردني في العام المقبل 1 بالمئة زيادة على النمو المتحقق لنهاية العام الحالي "وهي نسبة نمو جيدة"، لافتا إلى وجود مشكلات مثل تراجع النشاط السياحي، "وهذا بسبب عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، لكنه يؤثر على الأردن والاقتصاد الأردني".
واضاف إن الأردنيين أكثر تفاؤلا بمستقبلهم الاقتصادي في 2016 مقارنة بالدول الأخرى، خصوصا في الخليج العربي، رغم التحدي الذي يفرضه الوضع الجيوسياسي للمملكة ولكل المنطقة، "وهذا يعني أن الأردنيين قادرون على التكيف والقابلية لبذل المزيد"، مؤكدا أن ما يتميز به الاقتصاد الأردني هو مستوى التعليم العالي، وبأن الشباب يشكلون النسبة الكبيرة من المجتمع، إلى جانب تشجيع مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والاستثمار في مجال البنية التحتية.
وأضاف أن الأردن شريك استراتيجي لدول الخليج العربي، والأردن استفاد من النمو في الخليج العربي، خصوصا من ارتفاع حوالات العاملين والاستثمارات الخليجية في المملكة وتدفق السياح من منطقة الخليج العربي، قائلا "قد تشهد الاستثمارات تراجعا بسبب انخفاض أسعار النفط، لكن بالتأكيد الخليج العربي الجيد اقتصاديا، يعني أنباء إيجابية بالنسبة للأردن".
وحول التطورات الاقتصادية على مستوى العالم، قال ماراثيفتس انه يمكن تقسيم منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى مجموعتين متباعدتين بالكامل تقريبا من حيث الأداء الاقتصادي، الأولى الدول المصدرة للنفط وتمثل دول الخليج العربي التي نما الناتج المحلي الإجمالي فيها بنسب عالية عندما كان معدل سعر برميل النفط 100 دولار للبرميل، والمجموعة الثانية هي الدول المستوردة للنفط والتي واجهت تحديات، بما فيها التحديات الاقتصادية والاضطرابات السياسية المحلية الناتجة عن عدم الاستقرار الإقليمي.
وأستدرك أن هاتين المجموعتين تواجهان الان نفس الموجة من التحديات وإن كان بدرجات متفاوتة، وهذا يشمل الانخفاض في نسبة النمو الاقتصادي في عام 2014، والحاجة الماسة لإصلاح أنظمة الطاقة والمشتقات النفطية، وعدم الاستقرار الجيوسياسي الإقليمي، وتوسع نفوذ عصابة داعش الإرهابية.
كما تشمل التحديات، بحسب ماراثيفتس، ارتفاع عجز الموازنات الحكومية وارتفاع الدين العام، لافتا إلى أن غالبية اقتصادات دول الشرق الاوسط وشمال أفريقيا التي يعمل فيها البنك، تتطلع إلى إصدار سندات لتمويل عجز موازناتها.
وقال إنه ورغم أن آفاق الاقتصاد في دول الخليج العربي أقل تفاؤلا من عام 2014، باستثناء قطر حيث كان أداء الاقتصاد جيدا في مواجهة صدمة أسعار النفط، فإن معظم دول الخليج العربي لازالت تسجل نموا ايجابيا ولا يوجد أي علامات أو مؤشرات على عدم استمرارية هذا النمو.
ولم يبد ماراثيفتس أية تخوفات من حدوث تباطؤ في دول الخليج بسبب تراجع أسعار النفط، واوضح "من وجهة نظرنا فإن الانكماش في أسواق النفط من المرجح أن لا يؤدي إلى إنهاء قصة النمو في دول الخليج العربي".
وتوقع أن ينمو الناتج في السعودية بنسبة 8ر3 بالمئة في 2015 وبنفس وتيرة النمو في 2014، وان يبقى النمو في دبي حول النسبة ذاتها في 2014 بحدود 9ر3 بالمئة، مشيرا إلى أن السعودية وأبو ظبي وعُمان تكثف إنتاجها من النفط، والعائد من المنتجات سيدعم الأداء للقطاع النفطي "وهو ما عوضَّ جزئيا أثر انخفاض الأسعار".
وتوقع ماراثيفتس أن يبقى معدل النمو في منطقة الخليج العربي فوق معدل النمو العالمي (3 بالمئة في 2015)، بنسب تصل إلى 4ر5 بالمئة، فيما سجل النمو الحقيقي في مصر انتعاشا مع عودة الاستثمارات الأجنبية، وتفوقه على عدد من الاقتصادات في المنطقة.
وقال إن وتيرة إصلاح الدعم الحكومي بدأت بالتنامي؛ حيث أن تراجع أسعار النفط أثر على مستوى الإيرادات الحكومية، خصوصا في دول الخليج العربي؛ فمتطلبات الإنفاق في هذه الدول ولدت ضغوطا، الأمر الذي تحتاج معه إلى تنويع الموارد الاقتصادية بعيدا عن النفط، ولتطوير البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية لتواكب تنامي عدد السكان.
وبين أن معظم الدول الخليجية تتمتع بمستوى دين عام منخفض، "لكن هذه الدين لديه مجال للارتفاع في الأعوام من 2015 - 2017، بدون أن يشكل أية مخاطر ذات بال على اقتصاداتها".
وقال إن زيادة إصدار السندات يشكل عنصرا ايجابيا لتطوير أسواق رأس المال الإقليمية ويمكّن من خلق فرص عمل في السوق، منوها إلى أن بعض الإصدارات تم الإعلان عنها حتى الآن، مثل السعودية التي طرحتها بالعملة المحلية.
وأكد أن هناك جدلا طويلا حول حاجة المنطقة لتأسيس سوق دين بالعملة المحلية، وهذا ليس لتمويل عجز الموازنة أو الحساب الجاري فقط ، بل لدعم وتحسين فرص وصول الشركات وقطاع الأعمال لمصادر التمويل في السوق المحلية.
وعلى مستوى دول الخليج العربي، أكد أن السيولة النقدية معتدلة، مشيرا إلى أن الربط بين إصدار سندات جديدة وسحب الحكومات من ودائعها لتمويل الموازنة، يمكن أن يؤدي إلى شيوع بيئة شح السيولة في دول الخليج العربي.
وفي تعليق له ردا على سؤال حول استراتيجية البنك حيال المملكة، قال المدير الإقليمي لبنك ستاندرد تشارترد الشرق الأوسط احمد أبو عيدة "نحن ملتزمون في العمل بالسوق الأردنية والاتفاقيات في الاستثمار الخاص مثل شركة نقل وشركة الجزيرة تعد قيمتها ثلث الاتفاقيات التي عقدها ستاندرد تشارترد على مستوى الشرق الأوسط".
وأكد أن المملكة تتمتع بنظام رقابة مصرفية راسخ "ومع إجراءات الحوكمة التي أعلن عنها البنك المركزي الأردني أخيرا، سنشهد أقوى قطاع بنكي"، مشيدا بالجهد التنظيمي والرقابي للبنك المركزي الأردني، الذي يعد بحسبه "أفضل بنك مركزي على مستوى المنطقة".
وحول الخروج من تقديم الخدمات المصرفية للشركات الصغيرة والمتوسطة في السوق المحلية، قال إنه يعود للتغيير في استراتيجية البنك في ضوء المنافسة وحتى يكون البنك قادرا على خدمة العملاء بطريقة أفضل.
وأضاف أن البنك له تواجد كبير في المنطقة، ورغم المشكلات والتحديات هناك توقعات كبيرة وقرار البنك بالاستمرار بالعمل فيها استراتيجي.
وأكد أبو عيدة "نحن هنا في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط منذ زمن طويل، واستراتيجية البنك لن تتغير حيال المنطقة، ونحن ملتزمون بهذه الاستراتيجية وبتحقيق النمو، وكل منتج تقدمه المجموعة في العالم تقدمه هنا في المنطقة".
واضاف "ملتزمون بأسواق المنطقة وندرس احتياجات الأسواق بعمق ونراعي خصوصية وحاجة كل دولة، نعمل في 71 سوقا حول العالم، والمنطقة بحاجة إلى بنك دولي يقدم خدمات مالية".
وأكد أن البنك يعيد التركيز على خدمات وأدوات مالية جديدة مثل الصكوك، وإعادة توجيه رأس المال نحو المشروعات الناجحة.
وفي السوق الأردنية، قال أبو عيدة إن ثقة البنك في الأردن واقتصاده وتوقعات النمو فيه كبيرة، وجزء من الاستثمارات الأجنبية التي تم تسجيلها في المملكة في العام الحالي جاءت من استثمارات ستاندرد تشارترد في الاستثمار بالشركات الخاصة، لافتا إلى أن جذب الاستثمارات للأردن عمل مهم "ونحن ملتزمون بالاستثمار طويل الأمد في المملكة".
وجاءت المقابلة على هامش الجلسة النقاشية التي نظمها بنك ستاندرد تشارترد حضرها عدد من كبار عملاء البنك والخبراء الاقتصاديين والمصرفيين، حول الاقتصاد الكلي العالمي والإقليمي والمحلي.