ساعة يخبو فيها الزيت من السراج

تم نشره الجمعة 14 أيّار / مايو 2010 06:04 صباحاً
ساعة يخبو فيها الزيت من السراج
عيسى الشعيبي

من أين تبدأ أيهذا الفتى الطاعن في التردد والتحسبات بعد كل هذا الانقطاع الطويل، الممعن في التوجس بعد كل هذا الحصار المديد؟ أتبدأ من طيف صورة توهجت في البال مطلع العمر ثم ظلت تشعل على طول المدى في جانبيك الحريق؟ أم من وجع مقيم في مهاجع الذاكرة العصية على الاستباحة، الحصينة من الداخل ضد العصاة؟ وماذا بعد أن خبا الزيت من سراج الروح، وثوت البقية الباقية في الفتيل الأخير، وطار الحمام.

أي كلام يناسب لحظة أزفت على حين غرة بعد أن تراءت لك طويلاً كأنها التماع برق بعيد؟ كيف تتحامل على كل ما فيك من جراح راعفات وحطام حلم وانقصاف أمنيات؟ ولِمَ كل هذا الاستهلال، كل هذه الاعتذارات المسبقة عمّا لم تقارفه أنتَ من حماقات، وكل هذه الاستدراكات التي لن تشفع لك هدر نفسك سدى، وقضم صبرك بسأم، وتزجية وقتك على مفترق الطريق الموحش البارد، دون عدة كافية ولا عتاد وزوادة ومشكاة؟

إذن عليك أن تبدأ من أول السطر بلا لعثمات تثقل الحاشية بالخربشات وتخرج النص عن سياقه المنظم، أن تباشر فعل المكاشفة بلا تحسبات مفرطة قد تطيح بك قبل أن تشرع في البوح وتتلو سورة الاعتراف.

عندما تسنّى لك أيها الفتى أول همزة وصل رجوتها طويلاً، أول قنطرة اتصال أقمتها بعد لأي شديد، راح يهبّ عليك في آن واحد تيارا هواءٍ متعاكسان؛ الأول دافئ كان يحملك فوق مستوى الأرض حين تمشي لشدة الابتهاج، والثاني بارد أخذ يجفف فيك النسغ ويهبط بك وهاد مقفرات.

كنتَ تشتهي هذه اللحظة الحافلة بالتوقعات التي تأجلت أكثر مما ينبغي، هذه المصادفة الوارفة بالندى والعطر والسناء، هذه الدهشة التي كنتَ تُمنّي بها نفسك مذ أقمتَ وحيداً على شفير الانتظار والتجلد، واضطرمت طويلاً تحت قبة الاحتباس.

فأنتَ كنتَ تعتقد فيما مضى، أن للنبع قلباً ليناً من ذهب، وأن له جبيناً ذائباً من فضة، ومعطفاً طويلاً من الدانتيل الأبيض، وكتفين من حليب وعسل، ومرفقين رقيقين من زبد. وكنتَ تحسب أن لهذا المتدفق بأناة وصمت وكلال روحاً جامحة تصهل تحت غلالة من تعب.

وكنتَ حين وردته تغالب الظمأ، سوء الفطن وطول السفر، يطير بك الإفراط بالتمنيات الصغيرة، تحط بك فورة من الالتياع والقلق، فعُذتَ من اللات، مناة الثانية وهُبل، عُذتَ برب الفلق.

بسطتَ عليه جناحين من مثقلين بالزمهرير والشجن، ودنوتَ منه منزلتين، فقرتين عذبتين، مربعين من وسن. خلعتَ قلبك بين يديه، وقلتَ له سلام عليك أيها المتدفق عذوبة، ها أنا الآن بين يديك، تكفيني من كل هذا الماء قطرة، يرويني المشهد وحده.

وها أنتَ الآن بعد كل هذا اللأي والانتظار والتحسب تُغالب خيبة أملك من جديد، تمتطي صهوة فشلك القديم، وتمضي صامتاً صمت الرجال الذين لا يحبون مثل هذا الفشل ويستحون منه، منطوياً على ذاتك، تجتر آلامها على مهل مهلك، تتجرعها رشفة رشفة باحتشام.

الغد


مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات