رسالة من امرأة تجلس على حافة الجسد!

منذ ان مزقت جسدي شرنقة الطفولة ، وانا اجلس على حافته ، مسكونة بهاجس دائم يقول لي في كل حين ، ان عليّ ان اعتذر بشكل او بآخر ، وفي جميع تصرفاتي عن انوثتي ، وكأنها عار او عورة يتوجب عليّ تغييبها،.
تسيطر عليّ حيرة عظيمة وانا امسك قلمي لاخط هذه الكلمات ، فانا لا اعرف من أين ابدأ الحكاية ، لفرط تزاحم التفاصيل في ذهني ، واتصور ان جسدي كله ، لو ملأته بالكتابة لما فرغت من بث براكيني ، التي تغلي داخله ، بل اشعر ان هذا الجسد ممتلىء بكتابتهم هم ، حتى انه لا يتسع لمزيد من التعبير ، ليس لضيق في "المساحة" بل لأن كل بقعة من جسدي محجوزة لتعبيراتهم ولغتهم هم ، التي غالبا ما يستعملون فيها رأس دبوس يتوهج كالجمر ، للحفر عليه ، كأنهم عاشق سادي ، يسخر جسد حبيبته لتجريب ابداعاته في الوشم،.
ماذا اقول لك ، في رسالة سريعة كهذه؟ ستقول لي ان ما اعانيه جزء من عقدة الشرق ، ولكن سأقول لك سلفا ، ان مشكلتي الرئيسية انني انثى وحيدة ، في غابة من الذكور ، اسمع صراخ رجولتهم ، واشم رائحتها ، كل لحظة ، وهي تعبر عن ذاتها كل حين بتباهْ واستعراض ، وأحيانا بكثير من الفخر ، وتسجيل البطولات الذكورية ، اما انا وحدي انا ، فمطالبة بالاعتذار في كل لفتة او كلمة او تنهيدة ، عن كوني انثى،. عليّ أن أداري جسدي ، وألفه بما يكفي لإخفاء معالمه كلها ، حتى وانا داخل البيت ، ان نسيت نفسي وضحكت بصوت عال ، قيل لي: عيب أنت انثى،.
وان مر بشاشة التلفزيون مشهد تعبيري ، فيه شيء من الإنسانية الدافئة ، قالوا لي بصوت واحد: قومي اعملي لنا شايا،. حتى امي ، المفترض انها الأنثى الثانية في البيت من حيث التصنيف الفسيولوجي ، منحازة لذكوريتها الدفينة ، ولا اجدها في صفي ابدا ، بل هي على الدوام تشاركهم على الدوام معزوفة: عيب انت بنت،. اما والدي فأكاد اسمع نبضه الدفاعي احيانا ، لكنه لا يجرؤ على ضمي الى صدره بحجة انني لست ذكرا،،.
ماذا اقول لك طفولتي؟ حينما ولدت استقبلتني العائلة ، كما قالوا لي ، بحماس فاتر ، قالت لي أمي أنها سمعت كثيرا وهي في المستشفى الكثير من عبارات "الرثاء ،"لحالها كونني أنثى ، المهم الحمد لله على سلامتك ، عندك ولد؟ احمدي الله ، فلانة عندها خمس بنات ، وولد واحد ، أنت لديك ولد وبنت ، الله يرزقك بأخ له، لم يتمن أحدهم أن يرزقها بأخت لي،.
ياه كم تمنيت أن يكون لي أخت ، تؤنس وحدتي في غابة الذكور التي أعيش فيها،. لكأن الله سمع دعواتهم فرزقها بأخوة لأبنائها الذكور ولم يرزقها إلا بي،. أصارحك أنني سمعت أكثر من مرة أمنيات مكتومة من إخوتي ، ليتها كانت ولدا،.
حتى هذه الأنثى الوحيدة التي وجدت على حين غرة في بيتهم ، تمنوا أن لا تكون ، بالنسبة لأبي ، سأكون منصفا ، فقد خصني بدفق كبير من الحنان ، أشعر أنه الأقرب مني ، كان يضعني في حضنه ، وأنام أحيانا بينه وبين والدتي ، كم كان حنونا علي وأنا طفلة صغيرة ، لكنني حينما كبرت قليلا تغير فجأة ، وصار ينظر لي وكأنني "امرأة ،"فنادرا ما يلثمني أو يحضنني ، تمنيت من أعماقي أن أبقى صغيرة حتى أظل في حضنه، لكنني كبرت وكبرت ضريبة جسدي الأنثوي ، أنا بالنسبة لهم ، أعني أخوتي الذكور ، مجرد "عرضهم" لا شقيقتهم ، وهدفهم الأسمى في الحياة أن يحافظوا على هذا العرض ، من حيث المبدأ لا مانع لدي من ان أكون محط انتباههم واهتمامهم ، لكن ليس كجسد أنثى "مهدد ،"بشكل دائم باحتلال أجنبي ، بل كإنسانة ، لها مشاعر وأحاسيس ولها أمانْ وطموحات،.
ولي معك رسالة أخرى ، إن شاء الله ، إن تمكنت من "الإفلات" من الذكور المسؤولين عني،.
الدستور