بيان لترشيد المزاج السياسي

بكلمات مصاغة بميزان حساس يعي ما يدور في البلد وعموم المنطقة ، كتب السيد أحمد عبيدات بيانه الذي أصبح عنوانا لتوافق قطاع عريض من رموز البلد ومثقفيه ، وبالتالي الغالبية الساحقة من المواطنين الذين لا يستجيبون لنداءات الحشد الإقليمي التي لا تجيب على سؤال التبعات التي يمكن أن تترتب عليها ، اللهم سوى تهديد الأمن الوطني ووضع الحب في طاحونة الأعداء.
هل ثمة أجمل من توصيف البيان لأساس الجدل القائم إذ يقول "إن غياب الأهداف الوطنية الجامعة التي يلتف الناس حولها في هذه الظروف التي تتآكل فيها ثوابت قضايانا القومية كلها ، وهذا الإخفاق في الالتزام بمنهج الإصلاح الشامل وتعثر عملية التحول السلمي نحو الديمقراطية وتراجعها منذ عام 1993 ، وانعدام الشفافية في السياسات والتشريعات وخاصة قانون الانتخاب الذي يصاغ في العتمة بحيث أصبح لغزا في مرحلة شعارها الشفافية ، هي في رأينا وراء هذا التشتت في الرؤى والانقسام حول المستقبل. ولهذا فإننا نحذر من استمرار حالة الغيبوبة التي تلف شؤوننا العامة كلها ، كما ننبه إلى ضرورة الوعي بخطورة المحاولات المحمومة التي تهدف إلى تحويل الصراع مع العدو الصهيوني إلى صراع بين أبناء الشعب الواحد ، في الوقت الذي ما زال العدو يحتل كل شبر من أرض فلسطين بما فيها من موارد ومقدسات وعلى رأسها القدس".
عندما يكون الحال على هذا المنوال تتشتت الرؤى وتضيع الأولويات ، ويتحول الصراع من صراع مع عدو يستهدف الأردن وفلسطين وشعبيهما ، بل والأمة بأسرها إلى صراع داخلي حول المكاسب ، سواء أخذت عنوان المحاصصة ، أم أخذت عنوان الإقصاء ، وكلاهما لا يأتي بخير لأنهما لا يفضيان إلا لجعل أولوية الصراع داخلية بدل أن تكون مع العدو الذي يستهدف الجميع.
هنا يذكرنا البيان بالفصل السابع من الميثاق الوطني ، كما يذكرنا بأسس العلاقة الفلسطينية الأردنية المتميزة التي يقوم مرتكزها الأول على أن "الهوية العربية الفلسطينية هوية نضالية سياسية ، وهى ليست في حالة تناقض مع الهوية العربية الأردنية ويجب أن لا تكون ، فالتناقض هو فقط مع المشروع الصهيوني الاستعماري. وكما أن الهوية الوطنية الفلسطينية هي نقيض للمشروع الصهيوني وتكافح من أجل هدمه ، فان الهوية الوطنية الأردنية من هذا المنظور هي أيضا نقيض للمشروع الصهيوني وتحصين للأردن من مخططات الصهيونية ومزاعمها المختلفة".
ليس هذا تلخيصا للبيان ، لأنه نص يعالج أسس الإصلاح والوحدة ومواجهة المخططات الصهيونية ، والأصل أن يقرأه كل أردني ليكون قاسما مشتركا يعزل الأصوات المتطرفة في الجانبين ، وليجري التأكيد على ما نص عليه من أن "الوحدة الوطنية الأردنية هي القاعدة الصلبة التي تقوم عليها العلاقة الوثيقة بين جميع المواطنين في الدولة الأردنية" ، وذلك كمقدمة للشعور بأهمية تلك الوحدة في مواجهة المخططات الصهيونية ، ولنتذكر أنه ما من شيء يتصدى لخطاب التمييز ونقيضه خطاب المحاصصة ، ويعزز الوحدة من الشعور بأن الإخوة جميعا يقفون جنبا إلى جنب ضد عدو مشترك يستهدفهما معا.
في أي حال ، نحن إزاء بيان يشكل قاسما مشتركا بين الكتلة الأكبر من الناس هنا ، وإذا كان البعض قد أخذ في "الطخ" عليه ، فإن ذلك سيعطيه مزيدا من المصداقية ، لاسيما أن أحدا لا يمكنه التشكيك بمن صاغه ، ولا بالموقعين عليه (أو أكثرهم في أقل تقدير) ، ولا بحرصهم على الأردن والأردنيين وكذلك فلسطين وشعبها وأرضها.
الدستور