تمرد على ظهر السفينة بونتي

هل تذكرون رواية "تمرد على ظهر السفينة بونتي" التي اخرجتها هوليوود على الشاشة في عمل سينمائي ضخم, اداره مارلون براندو.
في بداية الرحلة, عبر المحيط كان العبيد والقبطان والبحارة والتقاوي يتقاسمون الماء وفق حاجة كل منهم للماء.
فالعبيد, كانوا بحاجة الى قدر كاف من الماء لادارة المجاديف العملاقة, والتقاوي كانت بحاجة الى القدر الذي يمنحها الخضرة .. والقبطان والبحارة كانوا يشربون اكثر قليلا من حاجتهم, ويبالغون في هدر الماء في الامسيات الصافية.
وعندما اخذت السفينة تجنح تحت ضغط الاعاصير والرياح, واخذت تبتعد اكثر فأكثر عن سيناريو الرحلة المرسوم, بدأت معادلة الماء, تختل اكثر فأكثر.
كانت الكميات المخصصة للعبيد, ثم للبحارة تقل ساعة فساعة, دون ان يتجرأ القبطان على تقليل الكميات المخصصة للتقاوي, ودون ان يسأل القبطان نفسه مثلا: ماذا يستفيد لو شرب العبيد والبحارة وماتت التقاوي, او كيف يواصل الابحار لو مات العبيد والبحارة وظلت التقاوي نضرة.
ورغم ان الماء ظل يتناقص باستمرار, ورغم ان المحيط غامض والبرزخ بعيد, بعيد جدا ... ظل القبطان يجمع البحارة والعبيد كل صباح لرفع السارية والعلم والنشيد للبلاط الامبراطوري وراء البحار, وتلاوة المراسيم نفسها والقسم نفسه.
ورغم ان العبيد كانوا يتناقصون فيخسر الجدافون رفيقا .. ظل القبطان مطمئنا الى عجزهم وعبوديتهم وشفاعتهم من اجل نقطة ماء تؤخر دورهم على قائمة الموتى.
لقد استأصل عقلهم بالرغيف الاول, وحولهم الى قطعان تتحرك بالغريزة وتؤدي مهامها باخلاص وولاء شديدين, تاركة مصيرها بين يدي القبطان, ولي النعمة, وصاحب الحكمة التي لا تضاهى.
ما فات القبطان, ان تحطيم العقل وحجب السياسة عن العامة, يستولد نقيضه ايضا, البيولوجيا, ويطلق الغرائز من عقالها, ويحول القطعان الجائعة الى قطعان قاتلة, تبدأ اول ما تبدأ بالذئب الاكبر.
هذا ما حدث على ظهر السفينة بونتي, وما يحدث اليوم على ظهر اكثر من سفينة في الشرق .. ذهب ذئبها بأنياب قطعانها.
انها حرب القبطان من اجل تقاوي الامبراطورية .. وحرب العبيد والبحارة من اجل البقاء, البقاء وحسب.
العرب اليوم